مدونة نافذ سليمان عبد الرحمن الجعب
الإعمار التعليمي في النموذج الفلسطيني
نافذ سليمان عبد الرحمن الجعب | nafez soliman ljoub
22/10/2019 القراءات: 4941
الإعمار التعليمي أولاً
د. نافذ سليمان
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول إعمار قطاع غزة خاصة بعد الحرب الآثمة التي شنتها الآلة الصهيونية على القطاع، ومن الواضح أن المقصود بالإعمار هو الإعمار المادي، من إعادة بناء البيوت والمؤسسات والمستشفيات والمدارس، وتعبيد الطرق وغير ذلك من المرافق العامة والخاصة.
ومن الواضح أيضاً أنه لم يدر بخلد المنادين بالإعمار ما يمكن أن نسميه بالإعمار التعليمي في شقه الثقافي المعنوى وليس شقه المادي كبناء المدارس والجامعات ومعاهد العلم وما يلزمها من أثاث ومرافق تعليمية رغم أهميتها لاستمرار العملية التعليمية.
لكنني أقصد هنا بالإعمار التعليمي هو إعادة النظر في المناهج التعليمية بمفهومها الشامل، والتي يعول عليها بناء الإنسان الفلسطيني الذي يقاوم بيد ويعمر باليد الأخرى، ذلك أن المناهج الفلسطينية الحالية هي أحد إفرازات اتفاقيات أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل المحتلة التي دمرت قطاع غزة، ولا تزال تهود القدس وتبتلع أراضي الضفة وتسعى لتهجير فلسطيني الخط الأخضر.
فالكتب المدرسية الفلسطينية خضعت للمراقبة والفحص والتدقيق المستمر من قبل منظمات غير حكومية تعمل باسم مركز متابعة آثار السلام وهي مؤسسة إسرائيلية مناهضة للسلام في الجناح اليميني الإسرائيلي وتعمل كهيئة رقابة، عبر عدة مواقع إلكترونية في إسرائيل وموقع آخر في الولايات المتحدة الأمريكية.
ورأى الخبير الأمريكي "جوناثان براون" الأستاذ في جامعة "جورج تاون" والمستشار للجان الكونغرس الأمريكي أن ما تدعيه جهات إسرائيلية بخصوص المناهج الفلسطينية غير دقيق. ويقول بأن المقاربة العامة للمناهج سلمية، وكلف الكونغرس معهد (IPCRI) وهو معهد إسرائيلي- فلسطيني يضم عدداً من الأكاديميين الإسرائيليين والفلسطينيين، بإعداد تقرير حول المناهج الفلسطينية، وجاء في محتوى التقرير أن المناهج الفلسطينية بمجملها هي مناهج ذات طابع سلمي وعلمي.
وبناء على ذلك فإن هذه المناهج التي صيغت تحت المراقبة الإسرائيلية والأمريكية لا يمكن أن تبني الإنسان الفلسطيني المحرر المعمر، ومن المعلوم من تجارب الأمم التي نهضت من كبوتها بعد الحروب أو الأزمات العامة، أنها لجأت إلى التعليم كقارب نجاة، حيث أقلها إلى شاطئ التقدم والمنافسة لمن سبقوها، ومن أمثلة ذلك:
* حينما استطاع الاتحاد السوفيتي أن يرسل القمر الصناعي الأول "سبوتنيك " إلى الفضاء اجتمعت الرئاسة الأمريكية للبحث عن سبب تأخر أمريكا عن الاتحاد السوفيتي ، فتوصلت إلى ضرورة تغيير المناهج التعليمية بما ساعد في اللحاق بالاتحاد السوفيتي بل والتفوق عليه.
* بدأت النهضة الاقتصادية الماليزية بالتعليم؛ ففي سنة 1985م أقيمت مؤتمرات وطنية لقضية التعليم، وقررت أن تكون ماليزيا دولة صناعية؛ ولذا تغيرت مناهج التربية والتعليم على هذا الأساس، كما تغيرت نظم البعثات الدراسية، والهجرة والاستثمار وفي غضون عشر سنوات، كانت النتيجة أن أصبحت ماليزيا عاشر دولة صناعية في العالم سنة 1995م.
* ولا ننس كيف حصل اليهود على وعد بلفور من البريطانيين والذي كان عاملاً هاماً في قيام دولتهم ، فقد تمكن أحد علماء اليهود من اكتشاف مادة الأسيتول التي كان البريطانيون بأمس الحاجة إليها كسلاح جديد ليتفوقوا على خصومهم في الحرب العالمية ، فأعطى البريطانيون اليهود وعد بلفور مقابل الحصول على هذه المادة.
* أما اليابان فسر نهضتها الاقتصادية بعد هزيمتها أمام الأمريكان وتدمير بلادها بالقنابل النووية،هو قدرة أحد طلابها الذين درسوا في ألمانيا على التعرف إلى سر النهضة الأوربية من خلال دراسة عمل المحرك الذي يدير عجلة الصناعة ، فرجع إلى بلاده وصنع محركات يابانية مما ساعد في النهضة الصناعية اليابانية التي أوصلت اليابان اليوم إلى منافسة أمريكا وأوربا، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن يحيط بها هذا المقال.
وخلاصة القول أنه لابد أن يتداعى التربويون وتحت رعاية سياسية من وزارة التربية والتعليم لعقد ورش عمل ومؤتمرات تجيب على الأسئلة التالية:
ماذا نريد أن يحققه التعليم لنا كشعب فلسطيني؟ هل هو التحرر أم التعمير والتنمية أم التقدم المعرفي ؟ أم تلبية حاجات السوق المحلية ؟ وعلى ضوء تحديد الهدف العام يتم تحديد الفترة الزمنية اللازمة لتحقيقه –عشر سنوات مثلاً- ، ثم تبنى المناهج التي تؤدي للوصول إلى هذا الهدف الكبير، ويعاد تشكيل المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية والاجتماعية لتساهم في تحقيق هذا الهدف،ضمن خطة وطنية شاملة تشارك فيها جميع القطاعات والمؤسسات المؤثرة على شخصية الفرد والمجتمع.
فمثلاً حين نضع هدف التحرير كهدف رئيس للتربية الفلسطينية ، لابد للمناهج أن تعمق التربية الإيمانية والجهادية، وتنشر الوعي بالجغرافيا والتاريخ الفلسطيني، وتكشف الصورة الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي والدول الداعمة له، وتركز العلوم على تطوير وسائل المقاومة والتكنولوجيا المتحررة من الرقابة الصهيونية والغربية، كوسائل الاتصال وتبادل المعلومات، وفي المواد اللغوية يتم التركيز على أدب المقاومة ، وفي جانب التحرر الاقتصادي يتم التركيز على التعليم المهني والتقني منذ مراحل التعليم الأولى، لكي يكسب الطالب إلى جانب العلم والمعرفة مهنة تعينه على كسب قوته، وتقلل من اعتماده على الوظيفة والشهادة، كذلك إعادة تشكيل هيكلية التعليم لتتناسب مع واقعنا المقاوم فنستبدل السلم التعليمي بمنظومة الشجرة التعليمية، والتي تتسم بالمرونة في الالتحاق بالمراحل التعليمية كل حسب ظرفه وجهده، مما يتيح لفئات الأسرى والجرحى والمعاقين وربات البيوت والعمال وغيرهم مواصلة تعليمهم في أي وقت من حياتهم دون اعتبار للعمر أو اجتياز سنوات سابقة من التعليم.
وهكذا يمكن بالإعمار التعليمي أن نواجه الحصار والحروب ، ونحدث التحرر والتنمية عن طريق إعادة بناء الإنسان الفلسطيني أولاً.
الإعمار المعنوي-المناهج -اتفاقيات السلام-ثقافة المقاومة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة