إشكالية الوجود والمعرفة في الفلسفة الإسلامية (2/1)
امصنصف كريم بن محمد | Msansaf Karim ben mohammed
24/11/2020 القراءات: 7691
إشكالية الوجود والمعرفة في الفلسفة الإسلامية
(البرهنة على وجود الله ووجود العالم عنه والعلم الإلهي وشموله من خلال مواقف الكندي والفارابي وابن رشد والغزالي نموذجا)
بحث أكاديمي محكم لنيل دبلوم الفلسفة ومناهج البحث من أكاديمية نماء للعلوم الإسلامية والإنسانية عام 2020 م.
من القضايا الفلسفية التي دار حولها نقاش مفكري الإسلام من متكلمين وفلاسفة، قضية تحديد طبيعة الله ذاتا من حيث الوجود وصفاتا من حيث علمه، والمتكلمون والفلاسفة جميعهم يؤمنون بوجود الله ولكن مدار بحثهم باعتبارهم مسلمين لم يكن يتناول وجود الله أو عدم وجوده، وإنما كان منصبا على إقامة الدليل العقلي على وجوده والبحث في طبيعة ذاته وصفاته غير مكتفين بالأدلة النقلية التي ساقها القرآن. ولما كان الاستدلال على وجود الله بالنظر العقلي لا يتعارض مع تعاليم العقيدة إذ القرآن يحث عليه، فإن الفلاسفة المسلمين سعوا إلى إثبات وجود الله وتحديد طبيعته وصفاته بالأدلة العقلية، غير أن الفلاسفة المسلمين وجدوا اختلافا كبيرا بين تصور الفلسفة اليونانية لطبيعة الله وبين تصور العقيدة الإسلامية لطبيعة الله، فالقرآن يحدد طبيعة الله بذاته وصفاته وأفعاله، أما الله في الفلسفة اليونانية فهو إله لا يتبع تحديده عقيدة دينية، فإله أفلاطون هو الخير الأسمى والمهندس الصانع، وإله أرسطو هو المحرك الأول الذي لا يتحرك، وإله أفلوطين هو المبدأ الواحد، لذلك اجتهد الفلاسفة المسلمون في التوفيق بين مفهوم إله الفلاسفة ومفهوم الله في الإسلام وكان من نتائج هذا التوفيق وضع تصورات دينية فلسفية لوجود الله وعلمه. وغايتنا نحن في هذا البحث هي إبراز مواقف الفلاسفة السابقين على ابن رشد ولدى ابن رشد على وجه الخصوص وذلك فيما يتعلق بإشكالية الوجود والمعرفة. إن الفلسفة الإسلامية المحضة تعنى الفلسفة التي بحثت في مبادئ الوجود وأسبابه الأولى ونظرت في الكون والإنسان وعلاقتهما بالله واتخذت لها منهجا هو الاستدلال المنطقي، وأصحابها الفلاسفة الإسلاميون الذين اشتغلوا بالحكمة، وهم بوجه عام الكندي والفارابي وابن رشد، فهؤلاء تأثروا بفلسفات أفلاطون وأرسطو وأفلوطين، وأضافوا إليها ما يدل على عبقريتهم، فجاءت فلسفتهم تركيبا جديدا أساسه أرسطوطاليسي وبنيانه أفلاطوني وغايته الجمع بين الدين والفلسفة. ومعلوم أن الفلاسفة المسلمين لم يتعرفوا على الفلسفة اليونانية في أصولها الصافية، وإنما تعرفوا عليها في الشروح التي تناولتها كلا من فلسفتي أفلاطون وأرسطو وفي الترجمات الصحيحة والمنحولة لآثارهما، ومع ذلك فقد استقبل الفكر الإسلامي هذه الفلسفة استقبال الفاتن الجديد، استهوت الفلاسفة المسلمين نزعة أفلاطون الروحية المثالية القائلة بروحانية النفس وخلودها، وأعجبتهم دقة أرسطو المنطقية وواقعيته العلمية وتصوراته الميتافيزيقية، وفتنتهم فلسفة أفلوطين المبنية على نظرية الفيض القائلة بوجود الواحد كما تفيض أشعة الشمس عن الشمس. ولقد تأثرت الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية أيما تأثر، ولكن الفلسفتين تتفقان في أمور وتختلفان في أمور، تتفقان في الإيمان بالعقل وبصدق أحكامه والإيمان بوحدة الحقيقة، وتختلفان في حقيقة وجود الله وصفاته وعلاقة الله بالعالم، ... ومن المعروف أن هذه المسائل الأخيرة شاغل المتكلمين قبل الفلاسفة، إذا كانت الفلسفة الإسلامية امتدادا تاريخيا لعلم الكلام وامتدادا فكريا لحركة الاعتزال، غير أن هناك فروقا بين علم الكلام والفلسفة الإسلامية في المنهج والغاية، فمنهج المتكلمين هو إقامة البرهان على العقيدة بعد الإيمان بها، أما منهج الفلاسفة فهو قائم على الاستدلال العقلي المجرد وترتيب الأقيسة، فالمتكلم كما قال أحمد أمين محام مخلص والفيلسوف قاض محايد، كذلك كان المتكلمون دينيين أولا وفلاسفة ثانيا غايتهم الدفاع عن العقيدة بالحجج المنطقية، أما الفلاسفة المسلمون فقد كانوا فلاسفة أولا ودينيين ثانيا غايتهم التوكيد على ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، ولقد اتضحت هذه الغاية أكثر لدى ابن رشد كرد على انتقادات الغزالي للفلسفة والفلاسفة.
(يتبع...)
فلسفة إسلامية،
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة