الجزيرة والزميل وائل الدحدوح : الصحفي.. القضية
د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI
07/01/2024 القراءات: 856
الجزيرة والزميل وائل الدحدوح : الصحفي.. القضية
شبكة الجزيرة واحترام الحقيقة
كان الإعلام العربي قبل الجزيرة مغرقا بالأخبار الرسمية إلى ما يفوق الملل، مثلما تغرق مادته الإعلامية ببرامج الترفيه والتسلية التي ترمي إلى تسطيح الاهتمامات والتطلعات، وافتعال اهتمامات بقضايا هزيلة لا تبني فكراً، ولا تصنع مجداً ولا تحيي أمة.
وأما القضايا الجوهرية والمشاكل الكبرى التي تواجه المجتمعات العربية فهي من الخطوط الحمر التي ينبغي على الإعلام أن لا يتجاوزها، وإن تناولها فضمن الرؤية الرسمية ولسان حالهم يقول (اتركوا لنا التفكير بالسياسة وتجنبوا تحليل القضايا الكبرى)، فكان الإعلام العربي مجرد ببغاء للخطاب الرسمي المعتاد المتهالك، ومادته الإعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع المعرفة والحقيقة.
ثم كانت شبكة الجزيرة التي حررت الإعلام العربي والاقليمي وحتى الإنساني من التبعية والهيمنة والاختراق الإعلامي بجميع صوره (الإخبارية والإنتاجية والأكاديمية)،
واستطاعت أن تأخذ السبق والجودة والشد، في تقديم المادة الإعلامية الأصيلة، ولاسيما ما يتعلق بقضايا أمتنا العربية والإسلامية وأحداثها ووقائعها، وكشفت طبيعة الاختراق الإعلامي الذي كانت تمارسه الماكنة الإعلامية الغربية في وسائلنا وعقول أبناء أمتنا.
وأصبحت الجزيرة بحق " التغطية المحلية والحقيقة العالمية ".
ولم يكن ميدان الجزيرة في صناعة الإعلام المهني فحسب بل تميزت بتكوين الصحفي المهني (الإنسان- الحقيقة) وقدمت للجمهور والرأي العام رموزا شامخة من الإعلاميين والمحللين والمفكرين الذين كانوا على قدر المسؤولية الكبرى تجاه الحقيقة المجردة، ومن معالم الارتقاء الشامخ للكلمة المعبرة،
فكانوا صناع المحتوى الإعلامي الرائد والقائد والمنصف، تحت شعار الرأي والرأي الآخر.
حاول العدو المحتل اغتيال الحقيقة وتقزيم الهزيمة في غزة فتمنع رجال شبكة الجزيرة فلا مكان لغير التغطية المستمرة، بفرسان التقديم والتعليق رجالا ونساء، ولا صوت يعلو على صوت مراسلينا في غزة وخانيونس وجباليا ورفح وبيت لاهيا والشجاعية والضفة وجنين وتل ابيب وبيروت وما بينها من مفاوز، ولا رسالة أصدق من حديث أبي عبيدة، ولا تحليل أعمق من تحليلات الدويري ومكي ومهند والشوبكي وعناني والبرغوثي.
وكان وائل الدحدوح من رواد قناة الجزيرة ورجال المرحلة الذين أدركوا مكانة الكلمة... فالتزموها سبيلاً في الحياة، وعلموا ثمن الحقيقة... فقدموا الدماء والشهداء والدموع في ميادين الرباط الإعلامي.
لا يعرف للنوم سبيلا ولا للراحة طريقا.
استشهدت زوجته وابنه وبنته وحفيده، دفنهم وعاد لكاميرا الجزيرة لنقل الحقيقة قبل اغتيالها..
أصيب واستشهد زميله سامر، فأخذ العلاج وعاد ليحمل مايكرفون الجزيرة بيد جريحة لنقل الحقيقة بلغة معبرة وفصيحة وناصعة قبل غرقها بالدم واختناقها بالبارود.
استشهد شبله حمزة (روح الروح) فيقبل أصابعه ليتسلم منها مرسال الحقيقة الذي لا نراه ولكنه يحسن قراءته بلسانه؛ لأنه هو من علمه رسم حروفها، وتناديه ابنته (أمانة إظل إلنا يابا..يابا ملناش حدا غيرك) فيحتضنها بغريزة الأب المكلوم وفطرة القلب الحنون،
ثم ينهض لأداء الأمانة وتبليغ الرسالة، إذ لا حياة بلا قضية ، ولا أمان بلا حقيقة، وكرامة بلا تضحية، ويثب كالأسد ليزأر أمام الكاميرا بلسان حاله (هنا الجزيرة ..هنا القضية.. وإليكم هذه الحقيقة).
نعم للموضوعية في العمل الصحفي، ولكن لا حيادية فيه، فالصحفي إنسان أولا، له رسالة وله قضية، ولا حقيقة أعمق من قضية بلده المقدس الذي اغتصب ، ويسعى الصادقون لتحريره وهو من أصدقهم سعيا ولسانا وإرادة..
وائل الدحدوح: ابن غزة ..صوت الحقيقة .. وشاهد على جريمة اغتيال القضية ..فارس الجزيرة ورجل المرحلة.
وائل الدحدوح- قناة الجزيرة- الاعلام الهادف- طه الزيدي- شهداء الاعلام
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع