مدونة أ.د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي


بين الهجرة النبوية وبداية العام الهجري

أ. د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي | Prof. Dr. Yasser Abdel-Fattah Abdel-Hadi


09/08/2021 القراءات: 1123  


يخلط كثير من المسلمين بين بداية السنة الهجرية وتاريخ الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أشرف الصلاة والسلام ، وينتج من هذا الخلط أن يعتبروا بداية السنة الهجرية في التقويم هو تاريخ مرور ذكرى الهجرة ، وكأن المصطفى صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة المكرمة (أو حتى وصل إلى المدينة المنورة) في غرة محرم من السنة الأولى للهجرة. وهذه معلومة خاطئة تماماً ، فلا الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من مكة المكرمة في هذا اليوم ولا وصل إلى المدينة المنورة فيه. ولإزالة هذا اللبس نورد فيما يلي بعض الحقائق التأصيلية استناداً إلى ما ثبت في كافة المراجع الموثوقة لهذين الحدثين.

بدايةً لا يوجد مصدر تاريخي موثوق لا يختلف عليه اثنان يؤكد موعد وتاريخ الهجرة بالضبط ، بل إن أقرب الروايات تذهب إلى خروج الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه من مكة المكرمة ليلة ٢٧ أو ٢٨ صفر سنة ١٤ من البعثة (الموافق ١٢ سبتمبر من عام ٦٢٢هـ) ثم مكوثهما في غار ثور ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، حتى خرجا منه في يوم الاثنين ١ ربيع الأول (وقيل ٤ ربيع الأول) ثم وصولهما إلى يثرب (التي تسمت منذ يومها باالمدينة المنورة) في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول بعد أن كانا قد وصلا إلى قباء في يوم الاثنين ٨ ربيع الأول وأقاما فيها أربعة أيام.

أما لماذا بدأ التقويم في الإسلام بسنة الهجرة نفسها وبالذات بشهر محرم فيعود هذا إلى اختيار عبقري من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما بدأ انتشار الإسلام خارج جزيرة العرب وكثرت الولايات على المدن ، وبالتالي كثر عمال الولايات ، واحتاجت الدولة إلى التدوين والتأريخ لإدارة شئونها مثل كل الحضارات. وتقول عدد من المصادر الإسلامية أنه فى خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وتحديداً فى السنة السادسة عشرة للهجرة ورد خطاب إلى أبى موسى الأشعرى مؤرخًاً فى شعبان ، فأرسل إلى الخليفة عمر بن للخطاب رضى الله يقول: يا أمير المؤمنين ، تأتينا الكتب وقد أرِّخ بها فى شعبان ، ولا ندرى أى شعبان هذا ، هل هو فى السنة الماضية؟ أم فى السنة الحالية؟. فكان على الفاروق أن يؤسس للأمر باختيار سنة مرجعية تنسب إليها سنوات التأريخ وشهراً مرجعياً تبدأ به السنة في دورتها التي الله سبحانه وتعالى القائل في محكم آياته: (إن عدة الشهور اثنا عشر شهراً يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم) ، وأكد رسوله صلى الله عليه وسلم انضباطها ووجوب المحافظة عليه ذلك حين قال في حجة الوداع: "إن الزمان قد استدار على هيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" ، حيث لا يجوز بعد ذلك التلاعب به سواء بالنسيء أو بغيره. فاستشار عمر الصحابة رضوان الله عليهم ، فكان الاختيار أن يكون التقويم قمرياً كما جرت عليه عادة العرب ، لكنهم اختلفوا في بداية الأمر إلى اي سنة ينسبون التقويم وبأي شهر يبدأون السنة ، فجاءت الآراء بسنة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بسنة نزول الوحي عليه أو بسنة الهجرة النبوية الشريفة أو بسنة وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام. لكن الفاروق رضي الله عنه نظر في هذه الآراء فلم يجد فيها أفضل من سنة الهجرة النبوية الشريفة حيث كانت بداية التحول من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة بناء الأمة والدولة التي كان ينعم في ظلها المسلمون وقتئذٍ ، فكان هو الخيار الذي اتفق عليه المسلمون في النهاية ليبدأ التاريخ من وقتها الذي كان العام ١٧ من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولذلك اصطلح على تسمية التقويم بالتقويم الهجري ليكون متميزاً عن الثقاويم الأخرى التي تعتمد على دورة القمر.

أما لماذا اختير شهر المحرم ليكون أول شهور السنة في التقويم الإسلامي فكان للفاروق عمر بن الخطاب كذلك في هذا الأمر النظرة الثاقبة ، فقد رأى أنه شهر انصراف الحجيج من الحج وقد أتموا شعائرهم وخرجوا من ذنوبهم كما ولدتهم أمهاتهم ليبدأوا صفحة جديدة في علاقتهم مع الله تعالى ، فكان اختيار شهر محرم اتساقاً وتناغماً مع هذه الفكرة والحقيقة المؤكدة من الله تعالى.

ومن يومها والمسلمون يستخدمون هذا التقويم في تعاملاتهم وإدارة شئون حياتهم إلى أن بدأ الضعف يظهر فيهم وبدات دولتهم في الانهيار واضطرت إلى استخدام التقويم الإفرنجي نظراً لاحتياجها إلى دول غير إسلامية عندما استدانت منها فأصبح لزاماً أن يتم سداد تلك الديون وقضاء تلك المعاملات بالتقويم الإفرنجي الذي أخذ يحلُّ شيئاً فشيئاً كبديل اضطراري للتقويم الهجري في كل أمور الدولة والأمة.

أ.د. ياسر عبد الهادي


التقويم الهجري ، الهجرة النبوية ، التقويم الهجري ، الهجرة النبوية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع