العدد الثاني قراءة في كتاب
الأُطُر المرجعية والمرتكزات النظرية للباحث / قراءة في كتاب
03/11/2020
سيف السويدي و ا. طارق برغاني
تعُرِّف الماركة الشخصية بأنها: «هُويَّة شخصية تهدف إلى إحداث استجابة عاطفية ذات مغزًى لدى الجمهور، حول صفات وقيم الشخص صاحب الماركة، والتعريف به أكثر» .
وهناك مصطلحات ومفاهيم عدة تقترب كثيرا من معاني الماركة أحيانا وتترادف مع تلك المعاني أحيانا أخرى، فنجد: علامة، هوية، اسم، شعار، وذلك راجع لاختلاف الترجمات والاقتباسات والتأويلات، نظرا لكون المفهوم غربي الأصل، وكل ما يحيط به من أفكار ونظريات ودراسات جاءت من مفكرين وكتاب غربيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالسياق التاريخي منذ نشأة المفهوم وتطوره كان ولازال سياقا غربيا بالأساس، منه جاء اختيار مصطلح الماركة وهو المقابل الأقرب والأكثر تعبيرا عن كلمة «brand» الإنجليزية، أو «marque» الفرنسية.
القيم والأخلاق
إن تشبع الباحث بقيم ومبادئ أخلاقية مع ذاته ومحيطه الإنساني سواء في البيت أو في العمل أو في الدراسة، واحترامه لبيئته ومراعاته لعادات مجتمعه وتقاليده، وروحه الوطنية يشكل قاعدة متينة وأساساً قوياً لبناء هُويَّته الشخصية، وانسجامه الإيجابي في وسطه الأسري والمهني، واندماجه الفاعل في نسيجه المجتمعي، وهي خطوة مبدئية تشكل عتبة يقف عليها منذ نعومة أظافره للانطلاق تدريجيا في خلق المكانة وإدراك التميز، فمتى تحقق السلام مع الذات والمجتمع والمحيط، وغرست بذور الصلاح والأخلاق الحسنة منذ الطفولة إلا ونمت على طول مراحل العمر، فأثمرت وآتت أكلها فلاحا ونجاحا يعود بالنفع على الفرد والمجتمع والوطن، ومن أجل إدراك هذا المستوى الأخلاقي الرفيع لابد أن يتحلى الباحث بصفات وخصائص قيمة تشكل إطاره العام. يحمل الالتزام معاني المواظبة والانضباط والوفاء، بما يتعهد به الباحث من مواعيد وأعمال ولقاءات، والالتزام يمثل قيمة ثمينة في حياة الباحث العلمية ومساره الأكاديمي؛ لأنه يكسبه الثقة لدى زملائه والمشرفين عليه، لاعتقادهم وتأكدهم من أنه إذا تم الاتفاق معه أدى ما عليه، وإذا مضى الوعد معه التزم به، فيشيع هذا الخلق وينتشر حتى يصير سمة تميزه عن غيره وقيمة مضافة إلى علامته الشخصية.
ومن أمثلة التزام الباحث في بحثه، مواظبته على التواصل مع المشرفين عليه وإطلاعهم على آخر ما توصل إليه في بحثه بشكل منتظم ومستمر، والعمل بنصائحهم وتوجيهاتهم، وإنهاء المهام الموكولة إليه في الوقت المحدد وبالجودة المطلوبة.
الصدق
وهو مفتاح لولوج باب المصداقية والموثوقية لدى الجميع، وكسب ثقة الجمهور، ويتطلب التحري والدقة في نقل المعلومات، والاجتهاد في البحث والمقارنة والتمحيص قبل عرض المحصلات والاستنتاجات، وتعليل الأقوال والنظريات والآراء بالحجج البينة والدلائل المقنعة، والصدق يكون، أيضاً، بتجنب التنطع فيما لا يُفهم، والابتعاد عن الكلام فيما لا يتقن، والاعتراف بالأخطاء والزلات، وتصحيحها قبل التمادي في الخلط، فلا عيب في الاعتراف بالخطأ والباحث مأجور في حال خطأه وصوابه، وقبول النقد وإبداء الإنصاف والعدل في المناظرات والحوارات، حينما يظهر له صواب الفكرة عند الخصم، فلا ضير من الوقوف على الصواب حين يدركه دون تعصب وجدال، فهذا دليل على رجحان العقل وحكمة في البصيرة تجعل الباحث يكبر في نفوس جمهوره وترتفع قيمته الاخلاقية في نظرهم.
الأمانة
العلم أمانة تستدعي توظيفه في مصلحة الفرد والمجتمع وهو ولحامله تشريف وتقدير، والعمل أمانة غايته قضاء حوائج الناس والقيام بمصالحهم وتوفير أسباب التيسير لهم، وهو دعامة لتقدم الوطن ورفعة مكانته بين الأمم.
فالعالم أو الباحث الذي يسعى إلى صنع أسلحة وقنابل جرثومية ونووية بهدف تدمير الإنسانية والقضاء على الحياة، لم يراعِ مبدأ الأمانة في توظيف العلم وهو بقدر ما اكتسبه من علم بقدر ما يجهل من عواقب سوء استخدامه لما تعلمه.
والأمانة في نقل العلم واقتباس المقولات والاستشهاد بالآراء والنظريات واجب في الباحث توفرها التزاما بحقوق ملكية أصحابها، واحتراما لمبدأ المصداقية في العرض والموثوقية في التقديم.
وتبليغ العلم أمانة تستدعي من الباحث استفراغ الجهد لتحصيله، وبذل المشقة في تبليغه فيسهم بذلك في تنمية العنصر البشري وتطوير العلوم، ونشر المعرفة، وتسهيل الحياة على الأفراد وإيجاد الحلول واقتراح البدائل، فكلما ارتقى الباحث في تقديم تلك الخدمات متشبعا بهذه القيمة إلا وذاع صيته وحسنت مكانته وتميز بعلامته الشخصية.
النزاهة
الباحث النزيه هو باحث استكمل فضائل الأخلاق؛ فالنزاهة خلق صار للأسف مفتقدا في مجتمعاتنا العربية، إلا من فئة قليلة تربَّت على القناعة والأمانة والصدق، فلا خير يرجى من باحث أو عالم فاقد للنزاهة مهما بلغ من العلم والمعرفة، ومهما اعتلى من مناصب وتحمل من مسؤوليات، فالنزاهة هي المعيار الذي يستطيع به الباحث أن يرى ذلك الخيط الرفيع الخفي الذي يفصل بين الحق والباطل، والخير والشر، وهو الرادع له من التطاول على ما ليس له، وهو المقياس الذي يحافظ به على ضبط التوازن بين صدق الظاهر والباطن، فما من شرٍّ أهلك الأوطان وسرَّع في خرابها مثل فساد مسؤوليها، وانعدام نزاهة علمائها ومفكريها.
العدد الثاني الباحث العربي ، الصدق ، القيم والأخلاق ، النزاهة ، اقتباس المقولاتمواضيع ذات صلة