مدونة ا.م.د. رجاء خليل الجبوري
الشيخوخة الآمنة في عالم لا يرحم،،،الظلم الاجتماعي في عيون كبار السن
ا.م.د .رجاء خليل الجبوري | Assist Prof Dr Rajaa .K. Aljubore
08/03/2025 القراءات: 84
الشيخوخة، تلك المرحلة من العمر التي يُتوقع لها أن تكون فترة من الراحة والطمأنينة، قد تتحول في كثير من الأحيان إلى معركة مريرة ضد الزمن وظروف المجتمع القاسية. لكن ما الذي يجعل من هذه المرحلة “آمنة” أو “غير آمنة”؟ وهل يمكن أن يكون هناك ظلم اجتماعي يتحكم في المسار الذي يجب أن تتخذه الشيخوخة؟ تلك الأسئلة التي يطرحها من يعايشون هذا الفصل من حياتهم، وتغيب الإجابة عنها بين زحمة التوقعات المجتمعية والمعايير التي تفرضها الحضارة الحديثة.
منذ أن ظهر الإنسان على هذه الأرض، اعتُبرت الشيخوخة علامة على الحكمة والخبرة، وأصبحت في العديد من الثقافات جزءاً من الاحترام والتقدير. ومع مرور الزمن، تغيرت المعايير. فبدلاً من أن يُنظر إلى كبار السن كأفراد يحملون كنوزاً من الخبرة والتاريخ، أصبحوا في نظر العديد من المجتمعات عبئاً اقتصاديّاً واجتماعيّاً. ليس غريباً أن نجد أن نسبة كبيرة من كبار السن يعانون من العزلة، والفقر، أو حتى القسوة النفسية جراء التهميش الاجتماعي.
والسؤال هنا: هل يمكن أن نجد “شيخوخة آمنة” في عالم لا يرحم؟ ربما يكون الجواب عن هذا السؤال معقدًا، إذ أن “الأمن” في الشيخوخة ليس مجرد غياب الأمراض الجسدية أو النفسية فحسب، بل يتعلق أيضًا بوجود بيئة اجتماعية داعمة تمنح كبار السن حقوقهم، وتوفر لهم الرعاية الإنسانية. فبخلاف حاجاتهم الأساسية مثل الرعاية الصحية والمادية، يحتاج هؤلاء إلى الشعور بأنهم ما زالوا جزءاً من المجتمع، وأنهم لا يُعتبرون عبئاً على الآخرين.
لكن لا يمكننا الحديث عن “الأمن في الشيخوخة” دون التطرق إلى الظلم الاجتماعي الذي يعانيه كبار السن. هذا الظلم لا يظهر فقط في سياسات الرعاية الاجتماعية غير الكافية، أو في غياب التأمين الصحي الشامل، بل يمتد إلى النظرة المجتمعية التي ترى في كبار السن عبئاً أكثر من كونهم فئة تستحق التقدير. في بعض الأحيان، يتم التعامل مع كبار السن كما لو أنهم أصبحوا بلا قيمة بمجرد بلوغهم سن معينة، مما يخلق فجوة كبيرة بين الأجيال ويؤدي إلى العزلة.
والأمر الأكثر إيلامًا هو أن هذا الظلم ليس دائمًا متعمداً، بل هو جزء من ثقافة سائدة لا تعطي الاهتمام الكافي للشيخوخة كجزء طبيعي ومهم من دورة الحياة. ففي المجتمعات التي تركز بشكل كبير على الإنجاز المادي، والابتكار، والنجاح الفردي، يُنظر إلى الشخص المسن على أنه قد تجاوز مرحلة “الفعالية” وأنه لم يعد قادراً على المساهمة بنفس القدر الذي كان عليه في الماضي. ولذلك، يشعر كثير من كبار السن وكأنهم “متروكون” في هامش الحياة، بعيداً عن صخبها، بل وبعيداً عن حتى أبسط الحقوق التي يحق لهم الحصول عليها.
لكن كيف يمكننا أن نخلق بيئة أكثر أمانًا وكفاءة لأفراد هذه الفئة؟ أولاً، لا بد من تغيير النظرة الاجتماعية التي ترى في الشيخوخة نهاية للحياة الإنتاجية، بل علينا أن نتبنى فكرة أن الشيخوخة هي مرحلة تتمتع بفرص كثيرة للنمو الشخصي والاجتماعي. يجب أن نعيد للكبار سنهم اعتبارهم ونؤمن بأنهم قادرون على الاستمرار في العطاء. ثانيًا، ينبغي تحسين السياسات الاجتماعية المتعلقة بالرعاية الصحية، والإسكان، والتعليم، وضمان أن تكون المزايا المتاحة لهم تليق بعطائهم طوال سنوات حياتهم.
أخيراً، يجب أن نعيد تشكيل مفاهيمنا الثقافية حول الشيخوخة، وأن نحرر أنفسنا من الأفكار النمطية التي لا تعتبر كبار السن سوى عبء على المجتمع. فالشيخوخة الآمنة لا تتحقق إلا عندما يشعر الفرد بأنه جزء من نسيج المجتمع، وأنه لا يُستبعد بمجرد وصوله إلى مرحلة معينة من العمر.
الشيخوخة ، الامان النفسي ،الظلم الاجتماعي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع