مدونة العربي الطيبي


حكاية ترويض القرد والجدي

العربي الطيبي | Taibi Larbi


06/05/2021 القراءات: 1102  


حكاية ترويض القرد والجدي
يسألني صديق لي عزيز، ما هذه الفوضى العارمة التي أصبحت تكتم أنفاسنا وتقتل يومياتنا، وقد أصبح حالنا يدمي القلب والضمير، لقد اختلت موازين الموجودات ونخرت هاماتنا الخيبات واليأس بعدما كنا حالمين بوطن لا يخفت وهج نوره..
أجبته ببرودة دم وقلت هل تعلم حكاية القرد والجدي، قال لا، قلت مستطردا وما وظيفة القرد في موروثنا الثقافي، أليس ارتباطه وثيقا بفن الحلقة ومحاولة إضحاك الناس بتقليد الناس وعمل لقطات مضحكة وجميلة وقد يقوم بحركات ترسل رسائل مشفرة، ألم تتساءل يوما كيف لهذا القرد أن يقوم بكل ذلك بهذه السهولة وينفذ أوامر سيده بكل تفان وانضباط، أي تدريب هذا وأي ترويض.
هي فكرة تتأسس على اعتبار أن الصمت ليس دائما حكمة وأنه يمكن أن يكون ذلا وهوانا.
في إحدى الأسواق إلتقيت بصاحب حلقة أو ما يصطلح عليه "حلايقي"، ( وتحية غالية لهم لما يقومون به من أجل زرع ابتسامة ولو عابرة على محيى شعب أرعبت يوميات الحياة حياته)، وتعجبت في أمر قرده الصغير الذي ما إن تراه حتى يُخيل إليك أنه يفهمك ويسمعك وقادر على الحوار معك، كما يقال في دارجتنا "نزق" فسألته دون تردد، كيف يصبح هذا القرد قردا وكيف أصبح عبدا لأوامرك لا يسمع إلا كلامك ولا يفهم إلا نظراتك..
عندما نشتري قردا ونريد أن نروضه كما نحن نشاء، قال السيد المقطب الحاجبين، نشتري قردا ونشتري جديا في نفس الوقت، نضعهما في جانب من الحظيرة متقابلين وقريبين، في مكانين متشابهين في كل شيء، نفس السياج، نفس سلسلة الربط، نفس الأواني الفارغة، كل ما حان وقت علفهما آتي بعلف كل واحد منهما وأمر أولا على القرد أضع له أكله ثم أتابع عند الجدي على مرأى من القرد الذي يلاحظ عن كثب ما يحدث، قبل أن يبدأ الجدي بالأكل، أقول له بصوت يسمعني القرد، ستقلد كل ما أقوم به، وأقول له هذه جلسة فلان ( صفة )، هيا قم بتقليدها، لكن الجدي لا يهمه فلان ولا علان بقدر ما يريد أن لا يكون كالقرد، فأبرحه ضربا، أمام مرأى القرد، وعند كل وصف لحركة معينة أو بهلوانية أقوم بضربه والتنكيل به، هذه المرحلة تمر يوميا ولمدة شهر تقريبا، وكل هذا الحوار بيني وبين الجدي والضرب والتنكيل على مرأى ومسمع القرد الذي يلتصق بالجدار متسمر العينين والأذنين فيما يحدث أمامه.
ولمدة أسبوع أتغيب عليهما لأعود دون أن أتكلم مع القرد، وآمر الجدي من جديد، فأخبره أنه إن لم يقلد ما آمره سأذبحه، والقرد في الجهة المقابلة يفتح فاه مشدوها من هول الواقعة، لكن الجدي لم يفعل، فأحضرت سكينا كبيرا وقمت بذبحه أمام أعين القرد، لم أتحدث أبدا مع القرد، وفي اليوم التالي دخلت فوجدته وحيدا وقدمت له الأكل وسألته كيف ينام الفلاح ودون انتظار نام بشكل من الاشكال، مضحك وبهلواني، وقلت كيف يفعل الراعي، يمشي مسرعا ويأخذ عصا ويضعها فوق كتفيه بطريقة مضحكة..
لقد صمت القرد للأبد ولا يحرك ساكنا عند أوامر سيده "الحلايقي" وليس همه سوى الأكل والشرب، وأي أكل وشرب، وتنفيذ الأوامر، ولا يعلم عنها شيئا، وظيفته إضحاك الناس، ولا يعلم لم يضحكون، وتقليد الناس، وأي تقليد، أما الجدي فحاله أشرف وأجل من القرد لأنه أكثر من الصياح ولم يعرف الإنبطاح ومات شهيدا عبرة وتخويفا للقرد..
كم من القردة وكم من الجديان في وطني، فكلما كثرت القردة كلما اقترب الوطن من الانهيار والهاوية.


شعر نثر خواطر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع