مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


نعمة التوفيق وعلاماته (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


10/11/2024 القراءات: 59  


نعمة التوفيق وعلاماته
إن من جليل نعم الله تعالى، والتي تخفى على كثير من الخلق: نعمة التوفيق؛ إذ هو مِنحةٌ منَ الكريم لا تُسدَى لكلِّ أحد، ولا يقدر عليها إلا من وفقه الله تعالى لها، فالتوفيق مطلب المؤمنين، ورجاء العابدين، وحِلية العارفين، قال نبي الله شعيب عليه السلام: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
ومفهوم التوفيق يدور حول إلهام الخير وتيسيره، وتسديد الخطى؛ جاء في لسان العرب: "ووَفَّقه اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْخَيْرِ: أَلهمه وَهُوَ مِنَ التَّوْفيق"، وجاء في المعجم الوسيط: "(التَّوْفِيق) من الله للْعَبد سد طَرِيق الشَّرّ، وتسهيل طَرِيق الْخَيْر".
وأساس التوفيق عمل الصالحات، ويعين العبد على ذلك التضرع، والافتقار إلى الله تعالى، والاستعانة به على طاعته؛ كما علمنا سبحانه في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
ومن أعظم هذه الأسباب الجالبة للتوفيق طاعة الله تعالى وتقواه، كما قال جل اسمه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4].
ومما ينفع في هذا المقام الدعاء بوصية النّبيّ صَلَى اللّه عليه وسَلّم لمعاذ رضي الله عنه حين قال: (أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ). [رواه أحمد وأبو داود].
ومن أكبر أسباب عدم التوفيق هو ارتكاب الذنوب والمعاصي نسأل الله العافية، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30].
أما علامات التوفيق فأولها: أن يوفقك الله تعالى للإيمان والإسلام، فهي أكبر النعم وأولاها وأعلاها، ولا يفوقها نعمة؛ لأنه محض اختيار من الله سبحانه لك من بين عالم يموج بالضلال، قال الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]، فينبغي للعبد أن يقدر هذه النعمة حق قدرها ويجتهد في شكر الله تعالى عليها.
ومن أعظم أبواب التوفيق ونَيْل السعادة في الدارين بر الوالدين، وقد سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ) [رواه البخاري].
ومن علامات التوفيق أن يوفقك الله تعالى لنشر الخير والدين، والدعوة إلى الله تعالى ودلالة الخلق عليه وتحبيبه إليهم؛ وتحبيبهم إليه، فإن هذه مهمة الأنبياء والرسل، وقليل من طلبة العلم من يفعله، قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
ومن التوفيق أن يوفّقك الله تعالى للحرص على العلم والتلذذ به والتفقه في دينه، ونشره بين الناس، وخاصة في عصر التكنولوجيا الذي سهَّل الله تعالى به التواصل بين الناس؛ قال النبي صلى الله وعليه وآله وسلم: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ) [رواه البخاري].
وما فائدة التفقه في الدين إن لم تنشره بين الناس، فما أحسن الدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ الحق للخلق، وأنت في بيتك جالس على أريكتك، وقد تكون مستلقياً على سريرك وأنت تنشر العلم، وحسبك فضيلة أن يكون لك من الأجر مثل أجور من انتفع بالخير الذي تنشره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: (مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا) [رواه مسلم].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) [رواه أحمد].
ثم من منا لا يتمنى أن يكون له نصيب من أجر من يعلم الناس الخير والعلم النافع، وقد قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْر)َ [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].


نعمة التوفيق، علاماته، مطلب المؤمنين، رجاء العابدين، حلية العارفين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع