مدونة أ د محمد مصطفى أحمد شعيب
التضرع إلى الله والدعاء في رمضان
فضيلة الدكتور محمد مصطفى أحمد شعيب | Dr. Mohammed Mostafa Ahmed Shoaib
24/03/2025 القراءات: 31
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الشرع الكريم حث المسلمين على الدعاء ورغبهم فيه لاسيما في أيام وليالي رمضان، وقد ورد وسط آيات الصيام قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
والآية تشير إلى فضيلة الدعاء وأهميته لاسيما أثناء الصيام، فالصائم يرق قلبه وتزكو نفسه فيكون أقرب لإجابة الدعاء من غيره.
وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره عن اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ).
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ).
وقال جل وعلا أيضًا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. روى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ)، ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي).
وروى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي).
وفي لفظ الترمذي: قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: (قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي).
وقد وردت عشرات النصوص في الدعاء منها: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، (الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض)، (إن الله حييٌ كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين)، (لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزقَ بالذنب يصيبه). وغيرها من الأحاديث الثابتة في فضل الدعاء.
أيها المباركون، كم في المسلمين من شدة، وكم بهم من كرب وبلاء، وفتنة ومحنة، فهلا استفدنا من هذه الأيام والليالي المباركات ورفعنا أكف الضراعة للملك سبحانه أن يرفع الغمة ويزيل الكرب ويكشف الغم عنا وعن المسلمين.
وأنبه هنا على ما نراه من بعض الأئمة في صلاة التراويح من إطالة الدعاء والسجع فيه والإتيان بعبارات منمقة في دعاء الوتر والقنوت مما يخرج الدعاء عن سياقه وعن روحه ومقصوده، وإنني أحذر الأئمة أن ذلك ربما يدخل ضمن التعدي في الدعاء الذي ورد النهي عنه.
فالتعدي في الدعاء، قد يكون بالمبالغة في الدعاء بغير المأثور، والمبالغة في السجع، والتطويل الذي يشق على الناس، والصياح والعويل والصراخ أثناء الدعاء، مع أن الله جل وعلا يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]، وقال سبحانه وتعالى في وصف أنبيائه ورسله وخيرة خلقه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]، وقال جل وعلا: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، والراغب الراهب والخائف الطامع المحسن لا يصرخ ولا يرفع صوته ولا يتجاوز المشروع إلى غيره.. وقد أثنى الله جل وعلا على نبيه زكريا بقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3].
ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة يرفعون أصواتهم بالدعاء نهاهم عن ذلك، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ - أو: أَرْبِعُوا –، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ). ومعنى (أَرْبِعُوا) أي: أرفقوا بأنفسكم وهوِّنوا عليها.
وفي رواية عند الإمام أحمد في المسند: (أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ).
الدعاء، دعوة الصائم، دعاء ليلة القدر
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة