مدونة أ. د. محمود أحمد درويش


تدمير الممتلكات الثقافية العربية (العراق نموذجا) (3)

أ. د. محمود أحمد درويش | Mahmoud Ahmed Darwish


21/12/2022 القراءات: 1609  


إن جميع الممتلكات الثقافية العراقية تقريبا المنهوبة من المتاحف والمكتبات وأرشيفات الدولة والمواقع الأثرية ودور العبادة، بما في ذلك القطع الأثرية القديمة والمخطوطات واللوحات الفنية، قد جرى تهريبها إلى الأسواق الغربية في أوربا وأمريكا واليابان ودول الخليج عبر أراضي البلدان المجاورة للعراق. والمؤسف أن السلطات الرسمية في دول الجوار لم تتخذ خطوات جادة تجاه محاربة التهريب والاتجار بالممتلكات الثقافية العراقية، على الرغم من أن إعلامها الرسمي كان يستنكر ويشجب ما أصاب العراق من تدمير ثقافي.
وقد برز الإرهاب بشكل غير متوقع كعامل مساعد في استمرار أعمال النهب للقطع الأثرية. كما أن ظهور المجاميع الإرهابية والتصعيد في الحملات الدموية ترك تأثيرا سلبيا على الجهود الرسمية في حماية المواقع الأثرية ومحاربة أعمال الحفر غير الشرعية وأنشطة التهريب عبر الحدود الدولية. وهناك حالات تدلل على أن الإرهابيين قد شاركوا في الاستيلاء على مواد أثرية عراقية ربما لغرض تمويل الأعمال الدموية.
في الوقت ذاته، تسببت ظاهرة ضعف قوة القانون في المناطق النائية في توفير فرص للمجرمين المتخصصين في القيام بحفر المواقع الأثرية وتهريب ما يعثرون عليه من قطع بدون أي خوف أو رادع. وسرعان ما تجد هذه القطع الأثرية المهربة طريقها إلى أسواق أوربية وأمريكية وآسيوية وخليجية. ولهذا فإنه من الضروري أن تأخذ الدول المستوردة للممتلكات الثقافية في حسبانها العلاقة المتنامية بين الإرهاب والاتجار بتلك الممتلكات، عندما تطلب تعاونها الدول المتضررة.
وخلال محاولاتها لاسترداد الممتلكات الثقافية المسروقة، واجهت السلطات العراقية تحديات داخلية ودولية عدة وبالشكل الآتي:
1. استنزاف موارد الدولة المالية والبشرية مما ترك آثارا سلبية على الجهود العراقية الرسمية في استعادة الممتلكات الثقافية المسروقة.
2. كان للجوء إلى الوسائل الدبلوماسية والتحسن في العلاقات الثنائية مع أغلب دول الجوار أثر في استرداد بعض الممتلكات الثقافية المنهوبة تجربة جديدة.
3. لم تبلغ الخبرة العراقية في ميدان التشريعات الدولية الخاصة بالموروث الثقافي مستوى مُرضيا. كما أن اللجوء إلى المحاكم الرسمية في الدول الأجنبية قد أثبت صعوبته من ناحية الاستنزاف الكبير في الجهد والوقت والأموال المُسخرة لها.
4. إن المواد الثقافية المنهوبة متعددة في أشكالها ومبعثرة جغرافيا بين دول تقع في قارات عدة، وهذا الأمر صعّب على العراق محاولاته في استرداد ممتلكاته في الخارج.
5. لم تكن المجموعات الخاصة في المتاحف الأثرية والفنون التشكيلية ومخازن دار الكتب والوثائق ومكتبة الأوقاف وغيرها من المؤسسات التعليمية والأكاديمية موثقة بالشكل المطلوب ووفقا للمعايير الدولية السائدة. ولم تكن هناك قواعد بيانات كافية خاصة بالممتلكات الثقافية.
6. أن الوضع المحرج الذي وجد العراق نفسه فيه بعد عام (2003)، يُحتم عليه تحصين موقعه الدولي عن طريق التوقيع على مواثيق وبروتوكولات دولية مهمة مثل اتفاقية يونيدروا لعام (1995) والبروتوكول الثاني (1999) لاتفاقية لاهاي لعام (1954).
7. إن وجود المجاميع الإرهابية وكثرة عملياتها وانتشار الآلاف من المواقع الأثرية في مختلف مناطق العراق والحدود الدولية الطويلة مع الدول المجاورة جعل من الصعب محاربة الحفائر غير القانونية والانتقال غير الشرعي للممتلكات الثقافية.


العراق، القانون الدولي، التراث الحضاري، مدينة بابل، كنز نمرود.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع