الوهن وضعف الأمة: تحليل معمق وتوصيات عملية الجزء الأول
د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim
26/03/2024 القراءات: 705
إن حالة الخذلان الإسلامي لأهل غزة، مجرد عرض لمرض، شخصه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالضعف النفسي العام (الوهن)، حالة الوهن التي منيت بها الأمة أزمت جميع ميادين الحياة فيها، وسلبت من أفرادها الإرادة وروح الانتماء، وجعلت منها تابعا ذليلا للأمم الأخرى، تقتات على منتجاتهم، فتأتمر بأمرهم وتنتهي بنهيهم
وعلى هذا الأساس يشكل الوهن أشد التحديات التي تواجه الأمة، فهو يعيق تقدمها ويهدد وجودها. ولذلك، يصبح من الملح تحليل هذه الظاهرة بشكل معمق، وتحديد أسبابه الرئيسية، واقتراح حلول عملية للنهوض بالأمة.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها". فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن". فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".
عرف النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم الوهن في الحديث، بأنه يتمثل في حب الدنيا وكراهية الموت، وهذا التعريف يشير إلى عدة خصائص تنتاب من يوصف به، حيث الاستسلام للغرائز والشهوات، وضعف الإيمان، وكلاهما سبب للآخر، وكلاهما يؤدي إلى ضعف البناء النفسي والاجتماعي، بما يؤول إلى الانشقاق والصراع الداخلي.
وقد أشار النبي في الحديث إلى أن هذه الحالة المزرية للأمة جعلت الأم تتكالب عليها لنهب ثرواتها والانقضاض عليها، يؤز بعضهم بعضا، كما تتداعى الأكلة إلى القصعة.
وقد أشار الحديث أيضا أنه رغم هذه الحالة من الوهن، إلا أن الأمة تملك من مقومات القوة ما لم تكن تملكه من قبل، "بل أنتم كثير"، لكن الوهن أضعف من قدراتها على توظيف هذه المقومات، فنزع الوهن من عناصر القوة خاصيتها حتى صارت إلى ضعف، كما يصير القوة المتمثلة في الموارد البشرية كغثاء السيل لا قيمة له.
وهذه الخصائص تنطبق على أمتنا اليوم، فقد أصاب أمتنا الوهن في أشد حالاته، وتكالبت عليها الأمم من الشرق والغرب ومن أقصى الأرض، لا هم لهم إلا نهب ثرواتها ووأد يقظتها وتكبيل تحركاتها، ووضعوا في وسطها جسم غريب (إسرائيل)؛ ليمنع التحامها وصحوتها، واجتمع أعداؤها عليها عن طريق القرارات الأممية، بحيث يلاحظ المتابع أن هذه الأمم لا تجتمع إلا على أمتنا، ولا يجد المتابع أي صراع في العالم إلا وأمتنا الطرف المجني عليه في هذا الصراع.
ونظرا لحالتة الوهن هذه أن ما تنتجه الأمة من مواد اللهو والعبث عن طريق السينما وغيرها أكثر مما تنتجه من المواد الغذائية الضرورية، وأصبح ما تنفقه الأمة اللعب والمتعة أكثر بكثير مما تنفقه على التعليم والبحث العلمي، كما أن مخرجاتها من اللكع أكثر من مخرجاتها من المصلحين، وما تنفقه على الاستهلاك التفاخري يفوق أضعاف مضاعفة ما تنفقه على التعليم والتدريب من ميادين التعليم والعمل... حال الأمة كله يشير إلى حرصها الشديد على الدنيا وكراهيتها الموت...
وقد أثبت الوحي الشريف وخبرات أمتنا التاريخية أن القوة النفسية والإيمانية للأمة هي مصدر عزها وتفوقها، وأنها سبيل إلى التفوق في القوة المادية على الآخر وإن كانت أقل منه في مقومات القوة
وإذا نظرنا في أضابير التاريخ الناصع لأمتنا واستعرضنا موقف غزوة بني قينقاع على سبيل المثال لقوة الأمة النفسية رغم ضعفها المادي سنجد أن سببها في يهودي كشف عورة امرأة، فوثب عليه مسلم فقتله، وبعد هذا الفعل تحرك جيش المسلمين لنصرة نسائهم، رغم قلة عددهم وضعف عتادهم، لكن قوتهم النفسية والإيمانية جعلت لهم مهابة في نفوس أعدائهم خارت أمامها قوتهم، وطرد النبي ومعه المسلمون اليهود أذلاء صاغرين.
القصة هنا تثبت تحركا فرديا وجماعيا لحرمة امرأة كشفت عورتها فقط، يوم كان المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا، أما الآن فنسائنا يغتصبن، وأطفالنا يشردون، ومقدساتنا تستباح، وحرماتنا تنتهك، والغريب أن ذلك يتم ونحن في حالة من القوة المادية: مال، وعتاد، وعدد... لكن في حالة من الوهن (الضعف النفسي)، والسبب كما حدده النبي: "حب الدنيا وكراهية الموت". قدمنا مصالحنا الشخصية على مصالح أمتنا العامة، وتعلقت قلوبنا بتوافه الأمور.
حالة الوهن التي نعيشها جعلتنا غثاء كغثاء السيل، أذلاء أمام العالم أجمع! وسنحمل وزر العار أمام أبنائنا وأحفادنا، كما حملنا عار نساء المسلمين في سوريا والسودان وبورما... والقائمة طويلة؛ والقوس ما زال مفتوحا على؟ مصراعاه نحو الهزائم
ولعل القاريء يتسائل عن الأسباب التي قادت الأمة لحالة الوهن، وهنا يمكننا أن نستدعي نصوص الوحي، فقد علق القرآن الكريم أسباب هلاك الأمم والمجتمعات السابقة بغياب تأثير المصلحين حتى عم الخبث في الناس فاستحقوا العقوبة الكونية؛ لأنه كلما طال الأمد على الناس ابتعدوا عن المنهج بفعل الشهوات والشبهات التي تثيرها النفس الأمارة والشيطان، والمصلحون هنا يمثلون دور الأنبياء في شد الناس إلى المنهج وتقوية إيمانهم الأمر الذي يترتب عليه رسوخ قوتهم النفسية أمام الشهوات والشبهات، فإذا قل المصلحون أمام المفسدين ضل الناس وأصابهم الوهن، قال تعالى: في في بيانه عن سبب هلاك أمة من الأمم: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ۚ لبئس ما كانوا يفعلون"، وقالت زينب بنت جحش: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث". وقال ابن عمر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
تربية، فكر، نهضة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة