مدونة فيفي أحمد توفيق خليل


الكتابة الرقمية : المفهوم والأنماط .

أ. د / فيفي أحمد توفيق خليل | Prof .Fify Ahmed Tawfeek Kalil


08/03/2021 القراءات: 7166  


لقد شاعت في الأدبيات العربية المعاصرة مصطلحات "الكتابة الرقمية" و"الإبداع الرقمي" و"الكتاب الإلكتروني" و"الترقيم"، وغيرها من المصطلحات التي تحيل إلى نمط جديد من الكتابة التي تولدت نتيجة التطور الهائل الذي حدث في مجال تكنولوجيا الإعلام والتواصل . غير أنّ هذه المصطلحات ما تزال رغم شيوعها تعاني الكثير من الخلط والاضطراب بسبب عدم اهتمام عدد من المنظرين العرب للكتابة الرقمية والمهتمين بها بتحديد دلالة هذه المصطلحات وضبط حدودها . ونستثني من هذا الحكم عددًا قليلًا من الباحثين ممّن اطلعت على أعمالهم ، منهم : فاطمة البريكي ، وزهور كرام ، إلى جانب سعيد يقطين الذي يمكن عدّه أبرز منظّري الكتابة الرقمية والنصّ المترابط في العالم العربي ؛ إذ يلحظ قارئ كتابيْه الرائدين : "من النص إلى النص المترابط ، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي" ، و"النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية (نحو كتابة عربية رقمية)"، الصادرين عن المركز الثقافي العربي ببيروت والدار البيضاء، عامي 2005 و2008، شدة عنايته بضبط مفهوم الكتابة الرقمية ، وتحديد خصائصها ، وتمييزها من غيرها من أنواع الكتابة الأخرى . وإذا كانت الكتابة التي اعتدنا عليها تتحقق من خلال الورق (الكتاب مثلا) لتصبح قابلة للقراءة فالكتابة الرقمية لا يمكنها أن تتجسد إلا من خلال شاشة الحاسوب لتكون قابلة للمعاينة يضعنا هذا التمييز العام والأولي أمام نمطين مختلفين من التجلي النصي يرتبط كل منهما بطبيعة الوسيط الذي يستعمل في تلقيه . هذان النمطان هما : النص المقروء والنص المُعايَن . إن الكتابة الرقمية عملية معقدة ومركبة بالقياس إلى غيرها . وهي تتطلب إلى جانب موهبة الكتابة والمعرفة بتقنياتها وقواعدها إلماما بالمعرفة المعلوماتية الأساسية لإنتاج نص رقمي ملائم ومجدد ودينامي . ولعل التأخر في إنتاج النص الرقمي عالميا ( رغم كثرة النصوص الرقمية ) وعربيا يعود إلى الحاجز المعلوماتي وأبعاده التقنية المختلفة ، وهي تتعدى النص إلى العلامات الصورية والصوتية ، والذي يتطلب دراية وقدرة إبداعيتين ما تزالان لا تتوفران لدى أجيال متعددة من الكتاب والمبدعين الحقيقيين . وأمام التطور المذهل للبرمجيات المساعدة ، لا يمكننا مع الزمان إلا أن نجد أنفسنا أمام حضور مذهل للكتابة الرقمية التي ما تزال في بدايتها. فرضت الكتابة الرقمية كما يبدو سلطتها بقوة وأصبحت تزاحم الإبداع ودور النشر ، بما تمتلكه من مساحة كبيرة ومرنة من الحياة الافتراضية ، على الشبكة العنقودية (الإنترنت) ، تتيح لها التنوع والابتكار داخل هذه المساحة ، وتقديم النص الأدبي ، والشفاهي ، والبصري ، مهما كان رأينا بهذا النص ، خصوصاً أن القارئ يحصل على هذه الخدمة مجاناً وفي فضاء حر، بلا قيود أو حواجز . والقراءة على الإنترنت تغيّر في طرق قراءة النصوص وفهمها وتحليلها. ومع الإبحار في عالم النت تغدو القراءة تحليقاً فوق النصوص ، من طريق مسح الصفحات أفقياً وعمودياً. وفي حال عدم العثور على المطلوب يجري التنقّل بسرعة هائلة من موقع إلى موقع آخر. ولاحظ بعض الباحثين عبر تقنيات مراقبة حركة عين مستخدم الكومبيوتر أنّ متصفحي الشاشات لا يقرأون إلاً 20 في المئة من النصوص. تختلف الكتابة الإلكترونية أو الرّقمية عن الكتابة الورقية من خلال الشكل والنوع ، حيث إن الكتابة الرقمية تفرض على المتلقي أن يستعمل المؤثرات الأخرى أو يستعين بها من بينها أن يكون متوفرا على نفس البرامج التي استعملها الكاتب الذي يُطلب منه أن يكون على دراية بالبرمجة وبالمؤثرات الأخرى التي تساعده على فعل القراءة ، كما أن هذا النوع من الكتابات يولّد قارئا سلبيا متكاسلا لا يتفاعل مع النص ، وعلى العكس من ذلك فإن الرواية الورقية بسيطة وسهلة لا تحتاج إلى أدوات أخرى غير الكلمات والجمل . والكتابة الرقمية هي كتابة مختلفة عن نظيرتها الورقية فهي تنعكس على جوانب الحياة في العصر الحديث ، تسعى بتحريكها للكلام من العالم السمعي الشفاهي إلى عالم حسي جديد هو عالم الرؤية ، إلى إحداث تحول في الكلام والفكر معا ، ولعل سبب كل هذا هو العولمة بما هي نظام جديد يقوم على الإبداع العلمي والتقني وثورة الاتصالات ، حيث تزول الأمم والشعوب والدول ، ويمسي العالم وكأنه قرية واحدة . ومما هو واضح أن أغلب الكتاب والمثقفين العرب لا يزالون خارج هذا الإطار بطريقة شبه كاملة ، فكأنما نحن خارج الزمن أو خارج الحضارة ، والكتَّاب العرب يتعاملون مع الكتابة الرقمية عموما ومع شبكة الانترنت والنشر الالكتروني خصوصا بذهنية ورقية أفقية . من هنا كانت الضرورة إلى تعميق مفاهيم الثقافة الرقمية عموما ونشر مفهوم الكتابة الرقمية خصوصا في الثقافة العربية ، وأيضا وهو المهم تشجيع الكّتاب العرب للدخول إلى خضم الكتابة الرقمية بمعناها الإيجابي . أنماط الكتابة الرقمية : 1- القصيدة الرقمية ( القصيدة التفاعلية التي تستغل الوسائط المتعددة ومجموعة من البرامج المعلوماتية ولغات البرمجة كالفلاش مايكرو ميديا ، والفوتوشوب (برنامج رسومياتي ) ، والسويتش (جهاز شبكات يعمل على التوصيل بين عدد مختلف من الأجهزة الموجودة على الشبكة ) والجافا سكريبت بمثابة العقل المفكر المستخدمة في تشغيل الأجهزة التطبيقية الذكية . 2- الرواية الرقمية : ويعرّفها سعيد يقطين بأنها الرواية التي تتحقق باستخدام تكنولوجيا المعلومات إبداعًا وتلقيًا ، مشيرًا إلى أن أي رواية لا يتم إنتاجها من خلال إحدى التطبيقات الرقمية ولا يتم تلقيها من خلال هذه البرمجيات فإنها لا تعد رقمية .


ARID


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع