مدونة د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله


الدرس الصوتيّ عند علماء الفلسفة والطب والحكمة الجزء الأول

د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله | D. Salem Mubarak mohammed ban obaidellah


12/09/2020 القراءات: 4209  


لقد كان لعلماء الفلسفة والطبِّ والحكمة دور بارز في مناقشة بعض القضايا الصوتيَّة، ومنهم "الكندي" (ت 260 هـ) الذي كانت له عناية متميِّزة بالأصوات، تبدّت في أكثر من مصنّف، وعلى رأس ذلك رسالته في استخراج المعمّى؛ حيث تكلَّم عن تردّد حروف العربيَّة ودورانها في الكلام معتمدًا على إحصاءٍ صنَعه بنفسه، وتقسيمِها إلى مصوّتة وخرس صامتة. وذكر قانونًا لغويًّا عامًّا يسري على كلِّ اللغات، ونبّه على اشتمال المصوتّة على المصوتات العظام، وهي حروف المدّ، والمصوّتات الصغار، وهي الحركات ""Les voyelles longueset les voyelles breves، ثمَّ بسط الكلام على نسج الكلمة العربيَّة باستفاضة، إذ أورد ما يقرب من مئة قانون من قوانين ائتلاف الحروف واختلافها أو تنافرها( يُنظر: المعجم العربي، دراسة إحصائية صوتية مخبرية 2/24 – 41، وكتاب علم التعمية واستخراج المعمى 1/204 - 259.). ومنهم "الفخر الرازي" (ت 606 هـ) في كتابه "التفسير الكبير" حيث تكلَّم عن الأصوات وتولُّدِها وأقسامها وعلاقتها بعلم التشريح. وله "المباحث المشرقيَّة في علم الإلهيات الطبيعيات"، حيث تكلَّم عن آلية التصويت كلامًا مُعجِبًا يتوافق مع كثير ممَّا جاء به علم الفيزياء الحديث. ومنهم "عبد اللطيف البغدادي" (ت 626 هـ)، وهو واحد من فلاسفة الإسلام المكثرين من التصنيف في الحكمة وعلم النفس والطبّ، ومن رسائله المتصلة بموضوعنا" :مقالتان في الحواس" و"النفس والصوت والكلام" و"اللغات وكيفيَّة تولدها"( يُنظر: الأعلام، خير الدين الزركلي (1396هـ)، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1980م 4/61، ومقال الدكتور الهليس /103, وأضواء على الطبيب العربي والعالم الموسوعي عبد اللطيف البغدادي، بحث للدكتور عبد الكريم شحادة، ضمن أبحاث الندوة العالمية الأولى لتاريخ العلوم عند العرب /693 - 774.).
هناك رسالة أخرى ذات مساسٍ بالصوتيات بل بتطبيقٍ دقيق من تطبيقاتها هو ما يدعى اليوم بأمراض النطق Troubles de la parole" "، وهي رسالة "اللثغة"، وقد قدّم لها ببيانٍ وافٍ لآلية النطق، وعلاقتها بالحروف، وما تحتاجه كلّ لغة من اللغات السائدة آنذاك من الحروف، ثمَّ تكلَّم على أسباب اللثغة وما يعرض للسان من التشنُّج أو الاسترخاء، ووصف مخارج حروف العربيَّة، وهيئاتِ النطق بها وصفاً تشريحيًّا فيزيائياً على نحوٍ يختلف عمّا عهدناه عند سيبويه وخالفيه، ثمَّ حدّد حروف اللثغة، وسمّى أعراضها وأنواعها وختم الكلام بعللها.
ومخالفة نهج سيبويه في تتبع مخارج الحروف تفضي بنا إلى ملاحظة هامَّة تتعلَّق بطبيعة تناول هؤلاء الحكماء للصوت، إذ هي تنزع نحو فيزيائيَّة الصوت أو ما أطلق عليه بعض الباحثين اسم علم الصوتيات المَوْجيّ السمعيّ "Acoustique phonetique" ولا غروَ فقد عرض حكماؤنا لمصدر الصوت، وكيفيَّة انتقاله في الهواء، والمميِّزات الخاصَّة التي يتَّصف بها، وكيفيَّة وصوله إلى الأذن، وإدراكه، والتمييز بين الأصوات اللغويَّة وغير اللغويَّة، ووضع المعايير السمعيَّة لتقسيم الأصوات اللغويَّة، والنغمة الصوتيَّة، وشدَّة الصوت( يُنظر: علم الصوتيات الموجي والسمعي عند علماء المسلمين القدماء، مقالة، للدكتور يوسف الهليس، في المجلة العربية للدراسات اللغوية المجلد الثالث العدد الثاني 1985 / 101- 123.).


الدرس الصوتيّ - علماء الفلسفة والطب والحكمة - أمراض النطق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع