جوانب من تراثنا اللامادي طقس الحاكوز نموذجا
14/02/2023 القراءات: 1378
يعد مفهوم التراث من المفاهيم الكبرى في ثقافتنا، ويشير إلى ما "خلّفه الأجداد والحضارات السابقة من مظاهر تراثية مادية أو غير مادية لتكون جسرا موصولا بين الماضي والحاضر" ( ). وهو بهذا المعنى صلة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، وجزء لا يتجزأ من هوية الشعوب، فالتراث إذن، "معين ثري لا ينضب من المعرفة، ومصدر الهوية. والتراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة، فكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت وأقدر على مواجهة تقلبات الزمن. ومن الناحية العلمية هو علم ثقافي قائم بذاته يختص بأحد قطاعات الثقافة، ويُلقي الضوء عليها من زوايا أثرية وتاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية" ( ). والتراث الثقافي المغربي في شقيه المادي واللامادي يعتبر مفخرة للإنسان المغربي ودليل على استمراريته في التاريخ الممتد لقرون طويلة، وجزء لا يتجزأ من سيادته على مجاله الثقافي والسياسي.
وبما أن حديثنا في هذه المقالة سيدور حول طقس الحاكوز كجانب من جوانب ثقافتنا اللامادية، فإنه يحسن بنا التعرف على دلالته وكيفية اشتغاله في الجسم الثقافي المغربي. فهذه الاحتفالية تحمل العديد من المسميات لطقس احتفالي واحد، يسمى الحاكوز أو حاكوزا أو "الناير" أو "لعواشر". فما المقصود بالحاكوز أو الناير؟ وكيف ترسخ هذا الاحتفال في ثقافة المغاربة؟ وما هي التحولات التي طرأت عليه؟ وما دلالته الرمزية في ترسيخ الهوية الثقافية للمغاربة؟
في دلالة طقس الحاكوز:
يعتبر الحاجوز طقسا متجذرا في الثقافة المغربية، لكن بداياته الاحتفالية غير معروفة، وحقيقة هذا الاحتفال تعود إلى آلاف السنين تجسد في الأخير مظهرا من المظاهر الثقافية وشكلا من الأشكال التعبيرية، وتقليدا راسخا في ممارسات الأشخاص والعائلات ( ). فالحاكوز هو طقس تحتفل فيه الأسر المغربية بيوم "يقسم فصل الشتاء إلى نصفين، حيث يتموقع في الليلة الأخير من السنة الشمسية التي هي ليلة يناير الفلاحي، الموافق لـ14 يناير الميلادي، وسميت بالحاكوز لأنها تحجز بين السنة الماضية والسنة المقبلة") (. وهذا الاحتفال له ارتباط وثيق بالأرض ودلالته الرمزية كلها احتفاء بالطبيعة وخيراتها لهذا يصاحب بداية السنة الفلاحية المعروف عند الأمازيغ بـ:"ينّاير" وهو مصطلح أمازيغي مكون من مقطعين "ين" وتعني واحد أو الأول و "آيير" وتعني الشهر؛ أي بداية الشهر( ).
كيف يحضر هذا الطقس في منطقة "جبالة" ؟
على غرار العديد من المناطق الأمازيغية المغربية فقد حافظت الأسر الجبلية على طقس الحاكوز محتفية به كتراث ثقافي لامادي توارثته الأجيال، ويحضر في الثقافة الجبلية على أنه عيد محلي يرقى إلى الوطنية، إذ تتهيأ الأسر لاستقبال الحاكوز بتحضير بعض الأكلات التي لا تأكل الا في هذا اليوم، وتتبادل فيه الزيارات العائلية، والاحتفالات الجماعية، وهو يوم عطلة تتوقف الدراسة في المحضرة، وتقام الولائم وترفع الدعوات على شرف أهل القرآن وبركتهم لأهل القبيلة أحياء وأمواتاً ولأمير المؤمنين وكافة المسلمين.
وفي اتصال هاتفي مع والدتي أطال الله في عمرها ذكرتها بالحاكوز فبدأت الذكريات الجميلة تنساب على لسانها، والتحسر على أيام الخير والبركات..، إييه يا ولدي لم يبق من تلك الأيام سوى هذه الذكريات، وتساءلت فجأة: هل ما زال اليوم من يحتفل بالحاكوز؟ أجبتها نعم هناك بعض الأسر في مناطق متفرقة من المغرب، وأن السياسة الثقافية بدأت تثمن هذه التراث وتعمل على صونه لكونه من أدوات ترسيخ الهوية الثقافية المحلية والوطنية. لكن في قبيلتنا هذا الطقس بدأ يندثر ولا بد من تدخل المجتمع المدني لإحيائه. فضحكت وقالت: مكرهناش أولدي شي زلافة "شرشمن" أو "تحلالّا".
يتجسد هذا الطقس في منطقة جبالة على شكل احتفاء رسمي على مدار يومان أو ثلاثة أيام على الأكثر. في اليوم الأول يتم تحضير شربة "شرشمن" وتتكون من خليط الشعير والفول (البيصارة)، يطهى الشعير وحده والبيصارة وحدها ثم يتم خلطها وإضافة زيت الزيتون. ثم تجتمع العائلة للاحتفاء بهذه الأكلة في جو يسوده الفرح والسمر على حكايات الكبار الهادفة (تاخرافت/ تخرايف).
في اليوم الثاني يتم تحضير "تحلالاّ" أي خبز المقلة مزين باللوز أو الجوز وهي أكلة تعطى للأطفال والاحتفاء بهم، لهذا تجد الأطفال ينتظرون هذا اليوم ويفرحون بقدوم الحاكوز. وفي المساء فتكون الذبيحة من الدواجن مع الحمص والفول، ويقدم مع طبق من اللوز والجوز والتين المجفف والزبيب، وهذا الخليط من المأكولات هي وجبة العشاء، وتبقى هذه العملية من اختصاص النساء وهو متوارث عبر الأجيال ( ).
الثقافة اللامادية التراث الحاكوز
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة