مدونة د. طه أحمد الزيدي


حكم الصيام لرفع الوباء - التوطئة في أحكام الأوبئة

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


28/03/2020 القراءات: 5143  


د. طه أحمد الزيدي/ عضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي
حكم الصيام بنية دفع الوباء
الأصل في العبادة أن تكون خالصة لله تعالى لا يبتغي بها الا وجهه وطاعته والتقرب اليه سبحانه فيما افترضه علينا، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ) (البينة:5)، ولكن ما حكم من تقرب بعمل صالح ينوي فيه العبادة وطلب أمر آخر مباح، كالصيام لرفع البلاء ودفع الوباء؟
هذا الفعل يسمى عند الفقهاء التشريك في العبادات بالنية: ومن صوره تشريك غير العبادة من أمور الدنيا المباحة في نية العبادة، وقد ذهب جمهور الفقهاء الى مشروعية ذلك وجوازه، (المجموع للنووي، 1/325، والمغني لابن قدامة 1/84)؛ لأن الغرض المباح لا يُنافي العبادة، وأصله مشروعيته ما ثبت عن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )(أخرجه البخاري 7/3، ومسلم ، 2/1018)، ومعنى: الباءة: القدرة على النكاح ، ووجاء: أي قاطع للشهوة) ، ولما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ). (أخرجه الطبراني في الكبير 10/128)، وهو من التوسل المشروع لكشف الضرّ؛ لأنّ أفضل ما يتوسل به العبد الفقير الى ربّه القدير، عند نزول البلاء وحصول الوباء؛ لأجل كشفه عنه ورفعه ودفعه هو الفزع الى أداء عبادة مشروعة من صوم وصدقة ودعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا) (أخرجه البخاري 2/34)، أو المبادرة إلى عمل صالح ينفع به غيره ويتقرب به الى الله تعالى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تُنْظَرُونَ إِلاَّ إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ). (أخرجه الترمذي ، 4/552، وقال حديث حسن غريب).
وبناء عليه فإنّه يجوز الفزع إلى صيام يوم أو أكثر في سبيل الله بنية رفع البلاء المنهك ، ودفع الوباء المهلك، وهنا نؤكد على أمرين:
الأول: تحري الأيام التي يشرع فيها الصيام، ولاسيما التي يراها بعض الفقهاء غير مقصودة بذاتها، كيوم الاثنين والخميس؛ لأن الاعمال تعرض فيها على الله تعالى، عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أنه سَألَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صومه يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، قَالَ: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (أخرجه ابو داود 2/325، والنسائي 4/201، وصححه الالباني).
والثاني: الإلحاح بالدعاء عند الإفطار؛ لأنه لا يردّ البلاء مثل الدعاء؛ لقوله تعالى : (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) (الانعام: 42-43)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتُم ذلك فادعُوا الله، وكبِّرُوا) وقوله صلى الله عليه وسلم (وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ)؛ ولأن دعاء الصائم مظنة الإجابة، كما أخبر النَّبِيُّ صلَّى الله عليْه وسلَّم: (ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)( أخرجه الترمذي 5/578، وابن ماجه ، 1/557، وحسنه الترمذي) ، ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ) وفي رواية مستجابة، (أخرجه ابن ماجه، 1/557، والحاكم 1/583). ولذا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمرو رضي الله عنهما راوي الحديث: إِذَا أَفْطَرَ دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ ودَعَا، قال النووي رحمه الله: (يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ صَوْمِهِ بِمُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ)، المجموع للنووي، 6/375 )، قال ابن القيم رحمه الله: (الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب) (الجواب الكافي لابن القيم ص 9)، وهل هنالك اليوم ما هو أشد من انتشار وباء فايروس كورونا، الذي بدأ يحصد أرواح آلاف الناس واضعافها من الاصابات، وعطل المصالح وأسباب الحياة، وغلقت بسببه المساجد والمحلات، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
اللهم نعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيء الاسقام.
وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.


احكام كورونا- احكام الاوبئة- الصيام لرفع الوباء- الصيام عند الاوبئة - مستجدات الاوبئة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع