مدى حاجة البيئة العربية للمراكز البحثية
فادي محمد الدحدوح | Fadi M. AlDahdooh
27/05/2020 القراءات: 3625
يُعتبَر البحث العلمي من أهم النشاطات التي يُمارسها العقل البشري؛ فمن المعروف أن تقدّم الأمم ونهضتها الحضارية مرهون برعايتها واهتمامها به وبتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلّب الاهتمام بمؤسّساته وأدواته، كالجامعات ومراكز الأبحاث؛ لما لها من دورٍ أساسي في عملية صنع القرار، وإعداد السياسات العامة للدول.
يُعرّف مشروع مراكز الفكر والدراسات العالمي، مراكز الأبحاث والدراسات بأنها: مؤسّسات تقوم بالدراسات والبحوث الموجّهة لصانعي القرار، والتي قد تتضمّن توجيهات أو توصيات مُعيّنة حول القضايا المحلية والدولية، بهدف تمكين صانعي القرار والمواطنين لصوغ سياسات حول قضايا السياسة العامة.. وتُعدّ هذه المراكز في كثيرٍ من الأحيان بمثابة مؤسّسات وسيطة بين الأكاديميين وجماعة صنّاع السياسات العامة وصُنع القرار، وتهدف هذه المراكز عادة إلى خدمة المصالح العامة كونها جهات مستقلة تُترجِم نتائج البحوث والدراسات بلغةٍ مفهومةٍ، وموثوقة وسهلة الوصول إلى صنّاع القرار والرأي العام.
إن مراكز الدراسات والبحوث العلمية الرصينة تشكّل مصدراً أساسياً للمعلومات والنُصح لصنّاع القرار على مختلف مستوياتهم، إنّ الدور الأساسي المنوط بهذه المراكز يتركّز على تحليل الواقع، وتقديم رؤى مستقبلية من أجل النهوض بواقعٍ جديدٍ أو تطوير الواقع الحالي إلى مستوى أفضل، وفق مرجعيات أكاديمية واستراتيجية، بعيداً من الارتجال، أو النظرة الأحادية.
ومراكز الأبحاث من خلال خُبرائها وعُلمائها تعمل على "عقلَنة" أو "ترشيد" القرار لدى المسؤولين، وبالتالي المساهمة في تصويب أو تحجيم احتماليّة الخطأ أو المخاطر أو الفشل في صنع القرار وإعداد السياسات العامة وحُسن التخطيط، وتوفير الرؤى والأفكار العلمية والإبداعية في الدولة.
وإذا كانت المراكز البحثية تستمد وجودها من الحاجة التي دعت إليها والضرورة التي أقتضتها، إلا أن مكانتها لم تكن واحدة، ودورهــــا لم يكن مُتشابهاً، كما أن المعوقات التي تواجه عملها ليست بمستوى واحد، وإنما تأثّر كل ذلك بما قطعته الأمم من خطوات في سبيل الاستفادة من خدمات هذه المراكز وموقف أجهزة الدولة منها، ومقدار اعتماد صنّاع القرار فيها على نتاجاتها في رسم السياسة الداخلية والخارجية، وما تعانيه الدولة من أزمات بمختلف أشكالها والتي من دون شك تترك آثاراً على وجود هذه المراكز وديمومة عملها.
إن تفعيل دور مراكز الأبحاث والدراسات في مؤسّساتنا العربية قد أصبح من مُقتضيات الضرورات السياسية والاقتصادية والإعلامية والأكاديمية والاجتماعية والتنمويّة؛ وذلك بوصفها الطريقة الأمثل لإيصال المعرفة المُتخصّصة، من خلال ما تقدّمه من إصدارات علمية وندوات مُتخصّصة، من شأنها أن تُضاعف مستوى الوعي لدى صانع القرار والمؤسّسات والأفراد، وتساعدهم على الربط بين الوقائع الميدانية وإطارها العِلمي النظري.
وختاماً أعتقد أنه آن الأوان لإنشاء مؤسّسة تنسيقية بين مراكز البحث في العالم العربي بكل تنوّعاتها، وأن يُعقد لها مؤتمر عام بشكلٍ دائمٍ ومستمرٍ في بلدٍ عربي مختلف بأمانة عامة مُنتخَبة، يمكنها أن تعقد مؤتمراً علمياً موازياً، لتناول التحوّلات الاستراتيجية الكبرى في الوطن العربي، وما يتّصل به من تحوّلات دولية ومُعالجة للأزمات التي يتعرّض لها، لقد أصبحت مراكز البحث العلمي خزائن الفكر وينابيع التخطيط الاستراتيجي، حتى يمكن القول إنه لا وجود لنهضةٍ حقيقيةٍ لأيّ بلدٍ من البلدان من دون إيلاء هذه المراكز حقها من التقدير والاحترام؛ لدورها المعرفي والتنموي الحيوي والمهم، كما لا يمكن الطّمع بالاستفادة من مُخرجاتها الحقيقية المفيدة من دون توافر الحد الأدنى الضروري من المُستلزمات اللازمة لنجاحها.
المراكز، البحث، الدراسات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
اذا وصلنا الى هذه المرحلة فانه يمكن الاستفادة من مئات بل آلاف البحوث التي تجرى سنويا بمختلف الجامعات والمراكز البحثية والمخابر، وعندها فقط نقضي على القطيعة بين ما يدرس في الجامعات ومقتضيات سوق العمل والقرارات السياسية، وحينها يمكن القول اننا وضعنا قاطرتنا على السكة ويمكن اللحاق بركب الدول المتطورة التي لا تغفل البحث العلمي..
بارك الله فيك د.خضرة، تشرفت بمرورك الرائع، ويسعدك متابعتك الكريمة