مدونة الدكتور محمد محمود كالو


عاشوراء ضد العنصرية، أ.د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


16/07/2024 القراءات: 6  


عاشوراء ضد العنصرية
تعاني المجتمعات المعاصرة أمراضاً اجتماعية تكاد تفتك بوجودها وتمزقها إلى مجتمعات متناحرة. ولعل أبرز تلك الأمراض مرض (العنصرية).
والعنصرية مصدر صناعي من العنصر الذي هو الأصل والنسب، والعنصرية هي التمييز بين الناس على أساس عنصرهم أو أصلهم أو لونهم أو جهتهم، ومعاملتهم على ذلك الأساس.
والعنصري هو الذي يفضل عنصره على غيره من عناصر البشر ويتعصب له، وأول من نادى بداء العنصرية هو إبليس عليه لعنة الله تعالى حيث قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [ص:76].
والعنصرية من آثار الجاهلية الأولى التي قضى عليها الإسلام وحذر من التفاخر بها والتعامل على أساسها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
فالعنصرية داء كفيل بتمزيق المجتمع الواحد وزرع العداوة والبغضاء بين البشر.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ ‌عُبِّيَّةَ ‌الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ» [رواه أبو داود].
والمقصود بقوله: (عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ)، أي: ما كان مِنها مِن كِبْرٍ.
أما عاشوراء فهي ضد العنصرية أيضاً، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا اليَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ «[رواه البخاري ومسلم].
إذ كلما أقرأ هذا الحديث يثير في قلبي سروراً وفرحًا وعشقًا لهذا الدين القويم، هذا الدين الذي لا يفرق بين عرق أو لون إلا بالتقوى، في حين أن العالم اليوم يفتقر إلى تلك القيم الإسلامية التي تساعد في حل أكبر معضلة عالمية ألا وهي العنصرية، تلك المعضلة التي كادت أن تدمر العالم اليوم، ولم تفلح كافة القوانين في وأد شأفة العنصرية، أما الإسلام فقد دمر كل مظاهر دعوى الجاهلية من العنصرية القديمة والحديثة.
فهنا في الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ«، فالبرغم من القرابة الرحمية بين اليهود ونبي الله موسى عليه السلام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على أن ولاية الدين وأخوة الدين أولى وأفضل من القرابة الرحمية، «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ«.
هذا هو الدين الذي جمع ببن بلال الحبشي رضي الله عنه، الذي كان قبل الاسلام مجرد عبد حبشي أسود، ثم حين دخل في الإسلام أصبح من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان يأمره النبي بإقامة أعظم شعيرة وهي الأذان.
وجمع هذا الدين الحنيف بين صهيب الرومي وبين سلمان الفارسي رضي الله عنهما، من بين كوكبة من الصحابة الكبار الذين لم يجمعهم إلا هذا الدين القويم، حيث لا فرق بينهم إلا بالتقوى.
أما الفكر العنصري اليوم فمصدرها بلا شك هي البلاد الأوروبية، والهدف من بث هذا الفكر بين المسلمين هو تمزيقهم إلى قوميات متناثرة حتى تسهل السيطرة عليهم. بل والهدف الرئيس هو ابتلاع الأمة حتى لا يبقى لها وجود أو كيان.
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى: "إن المجتمعات الغربية أصبحت منذ استقلال شعوبها توجد دولاً عنصرية متشابهة ضد الشرق كله. إذ خطت الفكرة العنصرية في تلك المجتمعات خطاً فاصلاً بين الغرب والشرق أو بين أوربا وبين ما سواها من القارات والأقاليم، وبين الجنس الآري وما سواه من الأجناس.
وعنصرية المجتمع الأوروبي ضد العالم الإسلامي واضحة في القديم والحديث. فالحروب الصليبية في القديم استمرت ما يزيد على قرنين من الزمان. وفي الحديث حاولت الدول الأوروبية وما تزال أن تجد لها مسوغاً للاستيلاء على العالم الإسلامي" [ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص212].
إن العنصرية تشوه أخلاقي وثقافي تجعل صاحبه ينسب لنفسه أو جماعته فضائل ليست له، وينسب لغيره نقائص ليست فيه، ولا تنبع التفرقة العنصرية من لون البشرة بل من العقل البشري.
وهذا اليوم العظيم يوم عاشوراء هو يوم يحارب العنصرية بكل معانيها الجاهلية المدمرة، بكل إسقاطاتها السيئة، وبكل ما تحمله من قهر وظلم لفئات ضعيفة ومقهورة في المجتمع.


عاشوراء، العنصرية، الجاهلية، العداوة والبغضاء، شعوباً وقبائل، قوميات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع