مدونة دكتور محمود فتوح محمد


الآثار الاجتماعية للصوم على المسلم

محمود فتوح محمد | Mahmoud fotouh


24/10/2019 القراءات: 6890  


يعد الصوم نوع من التمرين على التهذيب وتزكية النفس وهو طريق مناسب من أجل سيطرة الإنسان على نفسه وأهوائه النفسانية. ومما لا شك في أن المجتمع الذي يصوم أكثر أبنائه في شهر رمضان، يحظى بأجواء ومعنوية مميزة. وإن هذه الظاهرة مدعاة للمحبة والوداد والألفة الاجتماعية وتقلص الأضرار الثقافية والاجتماعية.
وتتعدد الفوائد الاجتماعية من الصيام نذكر منها:
 الالتقاء بالجماعات: يساعد الصيام على التقاء الصائم بالجماعات التي تتقارب أفكارهم مع أفكاره وذلك خلال صلاة التراويح التي يوديها في ليالي رمضان واللقاءات مع الآخرين في الندوات والمحاضرات الدينية .

 التفاعل الاجتماعي: يساعد الصوم على زيادة التفاعل الاجتماعي إذ يكون هناك تبادل في الزيارات وأنواع الطعام بين الأصدقاء والأقرباء والجيران ويؤدي هذا إلى تقوية الروابط الاجتماعية.

 تنمية روابط الألفة بين أفراد المجتمع: يساعد الصوم على تنمية روابط الألفة والمسارعة إلى الإحسان والتسابق إلى الخيرات، فالصائم حين يكف نفسه من ضروريات الحياة , يدرك ما يعانيه الفقير المحروم من الجوع والحرمان, وما يشعر به البؤس والعوز, فترق نفسه وتفيض بالحنان والعطف ويلين قلبه فيسرع بالجود والسخاء له.

 مظهر عملي للمساواة الكاملة: إن الصيام يشترك فيه الغني والفقير على حدا سواء في الإحساس بالجوع طيلة فترة الصيام بشكل متساو، وهو بذلك مظهر عملي للمساواة الكاملة، فمن أسرار الصيام الاجتماعية أنه تذكير عملي بجوع الجائعين، وبؤس البائسين، تذكير بغير خطبة بليغة ولا لسان فصيح، تذكير يسمعه الصائم من صوت المعدة، ونداء الأمعاء، فإن الذي نبت في أحضان النعمة ولم يعرف طعم الجوع، ولم يذق مرارة العطش، لعله يظن أن الناس كلهم مثله .. فلا غرو أن جعل الله من الصوم مظهرا للاشتراكية الصحيحة والمساواة الكاملة، وجعل الجوع ضريبة إجبارية، يدفعها الموسر والمعسر .. وقد روي أن يوسف عليه السلام كان يكثر الصيام وهو على خزائن الأرض، بيده المالية والتموين، فسئل في ذلك فقال: أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقير.

 حسن المعاشرة: إن الصوم يوفر للإنسان أرضية المباشرة بالمسائل المعنوية و يمثل سببا لابتعاده عن الجرائر الاجتماعية و انخراطه في درب مراعاة التقوى الاجتماعية وحسن المعاشرة مع إخوته و أقرانه. و بالتأكيد إن هذا الأثر يتبلور في شهر رمضان المبارك بأجلى صوره، حيث إن أكثر الناس يصومون فيه و يمارسون بعض الأعمال المستحبة كإفطار الصائمين.

 إشاعة الأجواء المعنوية وتقلّص الجرائم الاجتماعية: إن الصوم يعزز روح التقوى والورع في وجود الإنسان و له تأثير مباشر في التربية الروحية لكل أبناء المجتمع فردا فردا، وذلك بسبب أن أكثر الذنوب الفردية والاجتماعية ناشئة من غريزتي الغضب و الشهوة، بينما الصوم يقف أمام طغيان هاتين الغريزتين، و لذلك فهو سبب تقلص الفساد في المجتمع و ازدياد التقوى.

 نشر العدل والمساواة: يساعد الصوم على نشر العدل والمساواة بين أفراد المجتمع المسلم جمعيا سواء كانوا أغنياء أم فقراء ،فإن هذه المساواة في استشعار الجوع والحرمان بفعل الإمساك في الصوم تساعد على تذكر الغني لمدى النعم التي أنعمها الله عليه، كما أنها تجعل الفقير يجد فيها المواساة والسلوى عما يعانيه، غالبا، من حرمان، وكما أنها أيضا تكسر شوكة الغني وتجعله يرضخ لأمر الله بأن الناس جميعا سواء أمام الله.
 زيادة رقة المشاعر وحب للخير لدى الفرد (الشعور بحال الفقراء والمساكين): إن المرء مهما كان غنياً مترفاً مرفهاً فلا بد له من الصيام ، حتى يذوق آلام الجوع والعطش والامتناع عن سائر الشهوات ، وهو عندما يتقلب في مشاعر الحرمان هذه لا بد أنه سيذكر إخوانه المسلمين ومعاناتهم فيرق قلبه لهم ، فالإنسان كثير النسيان لإخوانه البؤساء ، قليل العطف على المعوزين والفقراء ، فأمره بالصوم حتى يذوق شيئاً من آلامهم ، ويحس بؤسهم ويشعر بوجدهم ، فإذا رأى أنه لم يصبر على الجوع وحده يوماً كاملاً وتقدم إليه في آخره ألوان الطعام والشرب ، أدرك – إن كان فيه إحساس – كيف لا يستطيع أولئك البؤساء أن يصبروا على الجوع وغير الجوع عاماً كاملاً أو عمراً طويلاً لم يقدم لهم فيه لون من تلك الألوان في الطعام والشراب.

 تنمية السلوك الحسن: يساعد الصوم في التمرّن على ضبط النفس والسيطرة عليها، وتنمية السلوك الحسن لديه ،وبذلك يتمكن المسلم من قيادة نفسه لما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة.

 صيانة المجتمع من الشرور والمفاسد: يسبب الصوم الرحمة والعطف على المساكين؛ لأن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في جميع الأوقات أو غالبها، فتسارع إلى قلبه الرقة والرحمة لهؤلاء المساكين، فيحسن إليهم، فيحصل بذلك على الثواب العظيم من الله تعالى ،ويزول بذلك الحقد والكراهية بين الأغنياء والفقراء مما يساعد على صيانة المجتمع من الشرور والمفاسد.

 إشاعة روح المحبة والإخاء وروح التعاون فى المجتمع : إن ذلك الجوَّ الإيمانيَّ الذي يعيشه الصائمون من شأنه أن يوثق العلاقات بين قلوبهم ويشيع فيهم المحبة والإخاء وروح التعاون؛ إذ أن المؤمن يصوم مع إخوانه في جو جماعي متآلف، فالجميع يصومون في وقت واحد ويفطرون في وقت واحد، ويستشعر كل فرد في المجتمع ما يستشعره الآخرون من الناحية الوجدانية، لأن الصائم يرتاح نفسيا إلى من هو في مثل حاله، وينجذب إليه بالعطف والمودة لاتحاد غايتهما ووحدة هدفهما في ابتغاء مرضاة الله وغفرانه .. فترى الصائمين في هذا الشهر متعاطفين متحابين، يقصدون المساجد للصلاة وذكر الله وقراءة القرآن، وهم غالبا يتزاورون ويتسامرون بعد صلاة العشاء والتراويح جماعة. وهم بذلك يتفقّدون من تخلَّف منهم عن حضور الجماعة، فإن كان مريضا واسَوْهُ، وإن كان في ضائقة تعاونوا لدفعها عنه.

 توطيد العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين: من ثمار الصوم أيضا توطيد العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين، غنيهم وفقيرهم فهو يغرس في نفوس الموسرين روح البذل والعطاء حين يحسون وهم صائمون بالحاجة إلى الطعام، فيكون ذلك


الصوم