الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ..وبعد:
فقد شكّل الإفتاء مفصلاً مهماً في حياة المسلمين، ونال مكانة متميّزة في المجتمع الإسلامي؛ إذ إنه مهمة ربانية {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء: 176]، ولذا كان المفتي موقعاً عن رب العالمين كما يذهب جمع من العلماء منهم ابن قيم الجوزية، حتى أطلق على كتابه القيم «إعلام الموقعين عن رب العالمين»، وهو أحد مهام رسول الله ، ولذا كان المفتي من ورثة النبوة وقائماً في الأمة مقام النبي كما يقول الشاطبي في كتابه الجامع النافع «الموافقات».
وتأتي الفتوى المعاصرة ولاسيما السياسية في مقدمة الفتاوى التي تؤثر في المجتمع الإسلامي قوة وضعفاً؛ لأنها تتعلق بالمصالح العامة وأمور الإمامة والحكم وأصلها قائم على حراسة الدين وسياسة الدنيا به كما يرى الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية وابن خلدون في المقدمة.
مشكلة البحث: في ظل غياب الدولة الجامعة في العالم الإسلامي، فإنّ النّوازل السياسية تعد من أعقد القضايا التي تواجه الفقهاء المعاصرين، ومناط تعقيدها ومرد صعوبتها يكمنان في:
- القدرة على الإحاطة بدوافع النّازلة السياسية ومتعلقاتها.
- واستشراف مآلاتها وأثارها من خلال النتائج المترتبة عليها.
وما يتطلب ذلك من مؤهلات إضافية للفقيه الذي يتصدى لها.. ومن هنا أدرك فقهاء السياسة الشرعية خطورة هذه الفتاوى، ولاسيما في ظل تعقد النظام السياسي الذي يدير الدولة في بنائها المعاصر، وارتباطاته الخارجية ، فلا يخلو مجتمع من أزمات تتعلق بالمصالح العامة، وقد تتباين النظرات في تحقيق هذه المصالح بين السلطات وأبناء المجتمع إلى حد التعارض مما يتطلب وضع حلول لإدارة ما ينجم عن هذا التعارض من نوازل ومحدثات، ومصادر الحلول في مجتمعاتنا تتمحور عادة في قانون أو قرار يصدر من السلطة السياسية أو فتوى تصدر من السلطة الدينية، ومن هنا تبرز أهمية الفتاوى ذات البعد السياسي في معالجة النوازل التي تمر بها المجتمعات الإسلامية، ومما لا شك فيه أن وضع محددات ومقومات لضبط هذا النوع من الإفتاء يجنبنا ومجتمعاتنا الفوضى والاضطراب، فضلا عن الإساءة إلى الإسلام.
منهج البحث: سيتم اعتماد المنهج التأصيلي والمنهج الوصفي.
خطة البحث: ستضم الدراسة تمهيدا في تحديد مفهومي الافتاء والنوازل السياسية، ومبحثان هما:
المبحث الأول : مقومات الافتاء في النوازل السياسية، وفيه مطلبان:
الأول: مقومات الإفتاء في النوازل السياسية
والثاني: مقومات أهلية المفتي في النوازل السياسية
والمبحث الثاني: مشاريع في صناعة الإفتاء السياسي، وفيه مطالبان:
الأول: برنامج صناعة المفتي السياسي
والثاني: إقامة مؤسسات التنمية في السياسة الشرعية.
وأما الخاتمة فتضم أهم النتائج والتوصيات التي ستتوصل إليها الدراسة بإذن الله تعالى، ولعل منها: أن توسع المعارف الشرعية واعتماد الاجتهاد الجزئي أسهم في ظهور التخصص في الإفتاء ومنه الإفتاء في النوازل السياسية الشرعية، وان ترشيد الفتاوى السياسية يسهم في معالجة خطر النوازل التي تمر بها المجتمعات المعاصرة، وأن صناعة المفتي السياسي أصبح من مستلزمات حفظ الضروريات الخمس في بعدها الفردي والمجتمعي.
د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI | 21684