مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي
الأحكام المتعلّقة بصيام السّتّ من شوّال
الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab
05/04/2025 القراءات: 49
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد؛
ودّعنا قبل أيّام شهر رمضان المبارك، شهر الصّيام والقيام، شهر المغفرة والرّحمة والعتق من النّيران، شهر القرآن. لكن من رحمة الله -تعالى- أن جعل أبواب الخير والطّاعات مفتوحة لعباده في كلّ حين، فلا ينقضي موسمٌ حتّى يعقبه موسمٌ آخر، وصيام ستّ من شوّال بعد رمضان من مواسم الخير العظيمة.
💠 حكم صيامها:
صيام السّتّ من شوّال سُنّة عند جمهور الفقهاء؛ لما ثبت عن أبي أيوب الأنصاريّ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه مسلم.
وقد فسّر المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- معنى (كصيام الدّهر)؛ فَعَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « صِيَامُ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ السِّتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وكان رمضان بعشرة أشهر، وصيّام السّتّة أيّام بشهرين؛ لأنّ الحسنة بعشر أمثالها، كما ثبت ذلك في كثير من النّصوص.
⏰ وقتُ بدء صيامها:
يُستحبُّ التّعجيل في صيامها بعد العيد وتتابعها؛ لما في ذلك من المسارعة إلى الخير، ولأنّ المبادرة إلى العبادات، فيها من الفضائل ما لا يخفى. ويجوز تأجيلها، لا سيّما مَن يجتمع بأقاربه، أو ينزل عنده عدد كبير من الضّيوف، فالأمر في ذلك متّسع.
🔹 كما يجوز تفريقها في شهر شوّال، ولا يلزم التّتابع فيها؛ لصريح الحديث المتقدّم ( ثمّ أتبعه). وثمّ حرف عطف يفيد التّرتيب أي ترتيب الصّيام بعد رمضان، والتّراخي أي المهلة لا التّعقيب والتّتابع.
🌱 ثمار وحِكم صيام السّتّ من شوّال:
📚قال ابن رجب الحنبليّ: وفي معاودة الصّيام بعد رمضان فوائد عديدة، منها:
🔅أنّ صيام ستّة أيام من شوّال بعد رمضان، يستكمل بها أجر صيام الدّهر كلّه.
🔅وأنّ صيام شوّال وشعبان كصلاة السّنن الرّواتب قبل الصّلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإنّ الفرائض تجبر أو تكمل بالنّوافل يوم القيامة، كما ثبت ذلك عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من وجوه متعدّدة.
🔅ومنها: أنّ معاودة الصّيام بعد صيام رمضان، علامةٌ على قبول صوم رمضان؛ فإنّ الله إذا تقبّل عمل عبد، وفّقه لعمل صالح بعده.
🔅ومنها: شكرٌ لله على نعمة صيام رمضان وقيامه.
💠 تبييت نيّة صيام السّتّ من شوّال:
لا يشترط تبييت النّيّة من اللّيل عند جمهور العلماء، بشرط ألّا يكون قد حصل منافٍ للصّوم من طلوع الفجر إلى وقت إنشاء نيّة الصّوم، واستدلّوا على ذلك بحديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ ...الحديث» رواه مسلم.
🔹والأولى والأفضل تبييت النّيّة من اللّيل؛ خروجًا من خلاف من أوجبه من الفقهاء، وحتّى يتحقّق للصّائم صيام يوم تامّ، من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس، فينال فضيلة الصّيام.
🔖 صيام السّتّ من شوّال قبل قضاء رمضان:
🔸اختلف الفقهاء في حكم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان:
فذهب الجمهور إلى جواز ذلك، لكنّ الحنفيّة يرونه جائزًا من غير كراهة، والمالكيّة والشّافعيّة يرونه جائزًا مع الكراهة، وذهب الحنابلة إلى أنّه يحرم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان، ولا يصحّ، والرّواية الثّانية عن الإمام أحمد: أنّ التّطوّع قبل القضاء يجوز ويصحّ، قال: المرداويّ في الإنصاف: وهو الصّواب.
🔖والرّاجح في هذه المسألة –والله أعلم-: المبادرة إلى قضاء الفرض قبل صيام التّطوّع إن أمكن الجمع بينهما؛ للحديث المتقدّم في صحيح مسلم « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، ففيه تعليق الأجر المذكور على صوم رمضان كاملًا، وإبراءً للذّمّة بصيام الفرض، لأنّه مقدّم على النّفل.
📍لكن مَن ضاق عليه الوقت؛ فلم يستطع الجمع بينهما؛ فالظّاهر هو قول الجمهور، أي تقديم صوم التّطوّع (السّتّ من شوّال) على الفرض؛ لحديث عائشة –رضي الله عنها- الثّابت في الصّحيحين، أنّها قالت: « كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»، ولقوله تعالى: ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184،185، ولأنّها أيّام معدودة، تفوت بفوات الشّهر.
♻️ التّشريك في النّيّة: الرّاجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة: أنّه لا يصحّ التّشريك في النّيّة بين عبادتين مستقلّتين، مقصودتين لذاتهما؛ كأن ينوي شخص بصيام السّتّ من شوّال قضاء رمضان وصيام السّتّ معًا؛ لأنّ كلًّا منهما عبادة مستقلّة، مقصودة لذاتها، فلا يصحّ التّداخل بينهما، فنيّة القضاء لا تجزئ فيه إلّا نيّة القضاء؛ لأنّ القضاء يحكي الأداء، ولا يجوز فيه التّشريك.
🔹أمّا إن كانت إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها، والأخرى مقصودة بذاتها، صحّ الجمع؛ كصيام النّوافل والجمع فيها بأكثر من نيّة، كجمع نيّة صيام الإثنين أو الخميس مع السّتّ من شوّال، أو أيّام البيض مع السّتّ من شوّال، فهذا يجزئ.
والله أعلم
نسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم🤲
أحكام، ست شوّال، صيام
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع