مدونة الشيخ / أسامة بن محمد بن عبدالوهاب المصري


التجرؤ على الفتوى جريمة هذا الزمان

أسامة محمد عبدالوهاب | osama mohamed abdelwahab


06/12/2021 القراءات: 2935  


الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله
أما بعد
فإنه من المؤسف في هذا الزمان أن يتصدر للفتيا كل من هبَّ ودبَّ وظن نفسه عالما وهو لا يدري أنه محاسب بين يدي الله تعالى وأن الله سائله عما أفتى به وقاله ، وقد رأينا رأي العين الكثير ممن يتصدرون شاشات التلفاز والإعلام يفتون الناس بمسائل ما أنزل الله بها من سلطان ويتكلمون بغير علم ويظنون أنهم بهذا يخدمون الله ورسوله ودين الإسلام ، ولو أنهم يدرون أن ما يفعلونه ربما يكون بابهم إلى جهنم لاختاروا أن يكونوا في عزلة تامة عن الفتيا وعن الكلام في دين الله - جل وعلا - وللأسف الشديد نرى الناس في الشوارع والطرقات وأماكن العمل كلهم علماء يفتون حتى في مسائل الطلاق التي لو عرضت على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لردوها إلى بعضهم البعض فلقد كان الرجل يأتي ليسأل الأصحاب عن مسألة فيقول له : اذهب الى فلان ويذهب الرجل إلى الصحابي الآخر فيقول له اذهب إلى غيري والكل يريد أن لا يفتي في دين الله تعالى خوفا من هذه المكانة التي ليس لها معنى إلا أنك تقول للسائل بأن الله يريد أن يقول لك هذا الحكم وهذا مراد الله تعالى ، ولذلك سمى ابن القيم - رحمه الله - كتابه القيم ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ) أي : أن الذي يفتي بفتوى يقول للناس : الله يريد هذا منك وهذا توقيع مني على فتواي .
وقد رأينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرجوا في سفر و أصاب أحدهم جنابة وكان الجو شديد البرودة فسأل الأصحاب : هل لي أن أتيمم والماء حاضر ؟ فأجابوه : لا ، فاغتسل فمات فلما رجعوا الى النبي وأخبروه بالخبر قال : قتلوه قتلهم الله ، هلا سألوا إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العي السؤال .
فانظر إلى قول النبي- صلى الله عليه وسلم - قتلوه أي بفتواهم قتلوه ، ثم دعا عليهم " قتلهم الله "
وقد كان الإمام أحمد بن حنبل يُسأل المسألة فيقول : لا أدري فسألوه : يا أبا عبدالله كثيرا ما نسألك في مسائل وتقول : لا أدري فقال : لقد سُئل ابن عمر هذا السؤال فقال: هؤلاء يريدوا أن يجعلوا ظهورنا إلى جهنم ، وابن عمر هو من هو ، و ابن حنبل هو من هو ؟
وقد جاء الناس بعد سفر طويل من العراق لإمام أهل المدينة الذي لا يفتى في مكان وجد فيه _ مالك الإمام _ في أربعين مسألة فأفتى في أربع مسائل وقال في الباقي : لا أدري ،
فقالوا ماذا نقول لأهل العراق ؟ قال : قولوا لهم : مالك يقول : لا أدري .
فانظر - رحمك الله - كيف كان هؤلاء الأعلام يتحرزون عن الفتيا في دين الله وقول : هذا حرام وهذا حلال مع علمهم الجم ،
ليس هذا فحسب بل كان في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عصر التابعين الذين هم أبناء الصحابة لا أحد يفتي في مسائل الطلاق إلا سعيد بن المسيب - رحمه الله - مع كثرة علماءها لكنهم يتحرزون من قولٍ بلا علم .
واليوم نرى الناس يخوضون في دين الله بما يعلمون وبما لا يعلمون وكأنهم يتلقون الوحي من جبريل الروح الأمين ، وإذا ما خاطبته قائلا: من أين لك أن تفتي وتتكلم في دين الله ؟ هاج وهاج وهاج قائلا : دين الله ليس حكرا على أحد وأنا عندي من العلم الكثير والكثير ، وهذا والله مسكين لا يدري ما يقول ولو ناقشته في أقل مسألة في العلم لا تجده يعرف عنها شيئا ،
فالله الله في لسانكم والقول على الله ورسوله بغير علم فلقد قال ابن مسعود وهو ترجمان القرآن : أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم ،
فكم من فتوى هدمت بيتا
وكم من فتوى شردت أمما
وكم من فتوى أريق بها الدماء بغير وجه حق
وكم وكم وكم ؟؟؟؟
فاتقوا الله عباد الله ولا تقولوا على الله بغير علم واتركوا الأمر لأهله تسلموا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


التجرؤ على الفتوى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


أخسنت أحسن الله اليك شيخ اسامة - بارك الله فيكم وكثر الله خيركم ونفع بكم -نسأل الله أن يردنا اليه رداً جميلاً -