مدونة علي صديق


التعبيرات الاصطلاحية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها (التعابير المسكوكة)

علي صديق حسان محمد | ALI SEDDIK HASSANE MOHAMED


12/10/2020 القراءات: 7186  


‏ تبوأت اللغة العربية في العصور القديمة والحديثة مكانة عالمية كبيرة بين ‏اللغات؛ حيث جعلت هذه المكانة من تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ضرورة ملحة ‏ومهمة عظيمة، كما تنبع أهمية تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من أنها تمثل نقطة ‏التقاء حضاري وثقافي بين المجتمع العربي والمجتمعات الأخرى؛ بالإضافة إلى كونها ‏وعاءً ثقافيا استطاعت من خلاله حفظ التراث العربي، ونقلته عبر الأجيال؛ أما حديثا: ‏فتظهر أهمية تعليم العربية للناطقين بغيرها بفضل ظهور العالم العربي على الساحة ‏العالمية في مختلف المجالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية؛ وليس ‏هذا فحسب بل أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المنعقدة في 28 ديسمبر ‏‏1973م إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، ‏والذي صار بعد ذلك يوما عالميا يُحتفل فيه باللغة العربية، ومن هنا أضحى تعليم ‏العربية مطلبا ضروريا لغير العرب.‏
‏ ولتحقيق هذا المطلب الضروري يسعى متعلمو اللغة العربية إلى إتقان المهارات ‏اللغوية الأربعة – فأي لغة من اللغات تشتمل على مهارات لغوية – تمثل أهدافا ‏أساسية يسعى المتعلم لتحقيقها؛ فهدفه أن يكتسب القدرة على سماع اللغة، وقراءتها ‏وكتابتها، والتحدث بها بطريقة سليمة؛ تمكنه من التواصل مع أبناء اللغة العربية، وفهم ‏ثقافتها، والاطلاع عليها، ومن ناحية أخرى فإن إتقان مهارات اللغة العربية يتطلب ‏استعمال متعلمو العربية لأصواتها، ومفرداتها، وتراكيبها، وجُملــها، حسب مستوياتهم ‏اللغوية؛ وذلك لتحقيق أهدافهم المنشودة التي يسعوا إليها. ‏
‏ وتعد التراكيب عنصرا ومكونا أساسيا من مكونات اللغة العربية، وتشتمل ‏التراكيب على أنواع ثلاثة؛ هي: التعبير الاصطلاحي، والتركيب الموحد، والتعبير ‏المركب، ومن هنا يظهر موقع التعبيرات الاصطلاحية ومكانتها من بين العناصر ‏اللغوية؛ حيث تمثل عنصرا مهما من عناصر اللغة العربية التي يستعملها المتعلم ‏ويتواصل من خلالها؛ فهي تلك الوحدات التي لا يُفهم معناها الكلي بمجرد فَهم معاني ‏مُفردَاتها وضمّ هذه المعاني بعضِها إلى بعض، وبذلك يُمثل التعبير الاصطلاحي وحدة ‏بنيوية مترابطة، لا يمكن تغيير كلماته بكلمات أخرى ‏.‏
‏ وتظهر التعبيرات الاصطلاحية ضمن الكفايات اللغوية الثقافية التي لابد أن ‏يمتلكها متعلم اللغة العربية؛ فطبقا لنموذج الكفايات لمتعلمي اللغة في الإطار المرجعي ‏الأوروبي المشترك للغات ‏CEFR)‎‏)، قُسّمت الكفايات إلى نوعين رئيسيين: الكفايات ‏العامة، الكفايات اللغوية الاتصالية، حيث تنقسم الكفايات اللغوية الاتصالية إلى كفايات ‏لغوية، وكفايات اجتماعية، وكفايات تداولية؛ بينما تقع التعبيرات الاصطلاحية ضمن ‏الكفايات اللغوية الاجتماعية، بالإضافة إلى الحكم، والأقوال المأثورة، والأمثال، ‏وأعراف الخطاب المهذب، وبهذا فإن متعلمي العربية في حاجة إلى استخدام التعبيرات ‏الاصطلاحية وتعلمها ‏.‏
‏ وتكمن وظيفة التعبيرات الاصطلاحية في اتجاهات ثلاث؛ اتجاه نحو اللغة ذاتها، ‏واتجاه نحو الثقافة العربية؛ واتجاه نحو مستخدميها، أما عن وظيفتها داخل اللغة؛ ‏فبالإضافة إلى كونها عنصرا مهما من عناصر اللغة العربية؛ فهي من أهم الظواهر ‏اللغوية التي تُضفي على اللغة العربية ميزة خاصة إلى جانب الظواهر اللغوية ‏الأخرى، والتي تميزت اللغة العربية بها، وتدل على مدى ثراء مفرداتها وألفاظها، ‏وسعة دلالتها؛ بالإضافة إلى أن نسبة وجودها في النظام اللغوي 40%‏ ‏ وهي نسبة ‏ليست قليلة إذا ما قورنت بالعناصر اللغوية الأخرى.‏
‏ أما وظيفة التعبيرات الاصطلاحية نحو الثقافة العربية الإسلامية؛ فهي تعبيرات ‏تتولد عن ثقافة المجتمع العربي الإسلامي، ولما كانت اللغة العربية تعبر عن أسلوب ‏الحياة والنشاطات العملية ، فإن التعبير الاصطلاحي يعبر أيضا عن ذلك؛ لأنه بمثابة ‏عنصرا مهما من عناصرها ؛ حيث يمثل انعكاسا يعبر عن أسلوب الحياة، وثقافة ‏المجتمع.‏
‏ وأخيرا؛ أهميتها بالنسبة لمستخدميها من المتعلمين الناطقين بغير العربية؛ فتسهم ‏في إنجاح تواصل المتعلمين مع الناطقين بالعربية، والذي يعد هدفا أسمى يسعون ‏لتحقيقه، كما تساعدهم في التعبير عن المعنى بأسلوب بليغ يتساوى في المقام الأول مع ‏أبناء اللغة العربية؛ بالإضافة إلى الإلمام بأطراف من ثقافة اللغة الهدف ، ويحتاج ‏المتعلم إلى استخدام اللغة العربية في المواقف الحياتية، و وصف هذه المواقف ‏والحكايات وسردها، ومن بين المستويات اللغوية التي تحقق ذلك؛ المستوى المتوسط؛ ‏ذلك المستوى الذي يبدأ فيه الطالب أن ينتج اللغة و يستخدم اللغة استخداما ذاتيا، حيث ‏يستطيع المتعلم أن يصف ويفسّر المواقف بإنتاج جديد من اللغة العربية، وذلك عن ‏طريق دمج المواد اللغوية المحفوظة والتراكيب المسكوكة بعضها مع بعض؛ للتعبير ‏عن معان ومواقف حياتية؛ فالسمة الرئيسة للمتعلم في المستوى المتوسط هي المقدرة ‏على الخلق باللغة وإنتاجها تحدثا وكتابة.‏
‏ ولاستعمال متعلم اللغة العربية لهذه التعبيرات؛ فلا بد من رجوعه إلى فهم الثقافة ‏العربية؛ فثقافة اللغة العربية جزء حقيقي من جوهرها، لا يمكن بأي حال فصلها عنه، ‏ولا بد من أن يعي المتعلمون والمعلمون ذلك حتى يصار إلى التركيز عليها كواحد من ‏أنظمة اللغة التي تحكمها إلى جانب النظام الصوتي والصرفي والمعجمي والنحوي ‏.‏
‏ ولتنمية مهارات استخدام التعبيرات الاصطلاحية يتطلب من مستخدميها ‏معرفتهم لثقافة المجتمع الذي تولدَّت فيه؛ إذ أنها لا تنفصل عن مصدرها الثقافي الذي ‏تعبر عنه، فلا يمكن فصل التعبيرات الاصطلاحية عن الثقافة العربية؛ فهما وجهان ‏متفاعلان لا ينفصلان.


التعبيرات الاصطاحية في تعليم اللغة العربية ، التعابير المسكوكة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع