علوم


"التحرر الفكري" نعمة النساء نقمة الرجال

شيماء جمعي | Chaima Djemai


23/03/2022 القراءات: 3480  



بدأت البروتستانتية كحركة معارضة للبابا الفاتيكان وللكنيسية الكاثوليكية، لتتطور فيما بعد وتأخذ منحى ما يعرف بـ "العلمانية" حديثا (أي فصل الدين عن الدولة)، فشهد العالم حينها أكبر حملة شعارات تهلل بالانطلاقة الأوروبية الجديدة في مختلف المجالات وتم البرهنة على أن الكنيسة التي طالما سيطرت على الحركة الفكرية هي ما كان يمنع التطور الفكري.
و اليوم قد مرّ ما يقارب الخمس مئة عام على ثورة الفكر الديني هذه التي قادها "مارتن لوثر". 
أوروبا التي مازالت تحتفل بهذا الإنجاز الفكري العظيم، لم تكن بخيلة البتّة، وقررت أن تصدّر بذورها إلى أرجاء المعمورة. فكان العزم يا سادة! اختارت أوروبا أن تمارس الزراعة في أذهان العرب ليقينها من أن هذه المساحة خصبة وستتحمل تغلغل الأشواك داخلها حتى أنها ستسقيها برماد مبادئها وعقيدتها. وللمرأة النصيب الأوفر من الاهتمام طبعا، ولكن لِمَا؟ لِمَا تستجيب المرأة بهذه السرعة لما يشذّ عن تركيبتها الاجتماعية والدينية؟
هل هي غريزة التمرد نتيجة الظلم الممارس على هذا الكائن اللطيف منذ عصور خلت، أم هو الكبت اللعين، أم أنه مبدأ " ما عند الرجل يجب أن يكون عندي "!؟ منذ ظهور مصطلح " التحرر الفكري" في مجتمعاتنا بتنا نرى أكثر مما كان يجب أن نراه حول المرأة... نعم! أصبحنا نرى ما تحت هندامها وما داخل غياهب عقلها، وكواليس أخلاقها، لعنتها السرية على كل نص ديني يتحدث عنها، حتى اللاإنتماء بان وانفضح...
 هكذا تلقى عقل المرأة للثورة الفكرية والتحريرية، فبدلا من أن تحرر نفسها من التعصب أولا، تحررت من أخلاقها مبكرا، واعتقدت أن الممارسة اللاأخلاقية هي المفهوم الحرفي عمّا يسمى بالتحرر الفكري.
 وعلى النقيض تماما، نرى الكثير من الرجال ما يلبثون بسماع هذه المعزوفة إلا وتبدأ مراسم اللعن والرفض اللامشروط لهذا العجب الأحمق المكنى "التحرر الفكري" الذي يدعوهم جهرة إلى تحرير الفكر من الخرافة والأسطورة وتقليد أغبر مات مدونوه فكانوا هم الوارثون؟ هل يخشى الرجل فقدانه للسيطرة على المجتمع الذي أسندت ادارته له منذ وضعت البشرية قدمها على هذه الأرض يا ترى؟
 اجتماع قُطبَيّْ المجتمع العربي "المرأة والرجل" على هذا الفهم القاصر لطبيعة العقل وأسُسه حمّل الإسلام أوزارا كبيرة أمام نرجسية الغرب وعجرفته. فقبل 1400 سنة جاء نبي الأمة بدستور إلهي شكل في حد ذاته ثورة فكرية، كان محمد صلى الله عليه وسلم آنذاك مرهقا أشد الإرهاق من أعدائه، نظرا لطبيعة رسالته التي كانت مفخخة بالأفكار، لا تحمل أي معجزة خارقة تثير الدهشة وتخرص كل متردد، فقط منطقيتها هي ما كان يعظمّها ويقوّيها في نفوس الناس. كيف سيتلقى من لا يملك فضيلة الحوار ولا يحترم العقل وبينه وبين المنطق ألف باب وسور، لدعوة فكرية صادمة كهذه؟ ولكنه نجح, نعم نجح محمد بإذن الله بهدم ما كان يٌعتقد سابقا أنه مقدّس مخلدّ من ممارساتهم الضالة وحروبهم الدامية التافهة، فارقنا الرسول إلى جوار ربّه وترك فينا العزم والحجة لنتسيّد امبراطورية الفكر والتحرر من كل جهل مورثّ. ولكن الزمان دار دورته وفعل فعلته، وأتى عصر الوهن على أمل الشفاء من جديد.


"التحرر الفكري" "اوروبا البروتستانتية" "الانحراف الفكري" "المرأة و التحرر" "الاسلام و التحرر الفكري"


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع