في رحاب مدينة الفلوجة
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
05/03/2025 القراءات: 205
-الفلوجة في التاريخ:
قال طه باقر وفؤاد سفر في كتابهما: "المرشد إلى مواطن الآثار والحضارة" الرحلة الأولى (بغداد – عنه- القائم):
"الفلوجة: بلدة واقعة على ضفة الفرات الشرقية، وهي مركز قضاء تابع إلى الرمادي، وعندها جسر، وتبعد عن ضواحي بغداد بنحو (58 كم) في طريق معبد، وبعد مسافة نحو (15 كم) من بغداد تشاهد مزارع كثيرة ومبان لكلية الزراعة ومصلحة الألبان، ويوجد طريق فرعي يذهب إلى مزرعة أبي غريب وإلى ضرائب عقرقوف التي سنصفها في رحلة أخرى.
ولعل اسم الفلوجة في العربية معرب عن اسم موضع قديم ورد في المصادر المسمارية بصيغة "بلوكتو"، وورد أيضًا في المصادر الآرامية موضع باسم "بلوكثا"، وذكر الطبري الفلوجة في حوادث عام (12هـ) (633م) كما ذكر ياقوت فلاليج السواد وخصَّ منها فلوجتين: الكبرى والصغرى، وذكرها الحاج خليفة في جهان نما (1010هـ/1600م) على مسيرة يومين من الحلة.
وكان يتفرع من الفرات عند الفلوجة نهر الملك أو نهر ملكا الوارد ذكره أيضًا في المصادر البابلية باسم: (نارشاري) (ومعناه نهر الملك) وقد ذكر البلدانيون العرب موضع هذا النهر بأنه أسفل من نهر صرصر بخمسة فراسخ ويصبُّ في دجلة جنوب المدائن بثلاثة فراسخ (ويساوي الفرسخ الواحد خمسة كيلو مترات).
وذَكر الفلوجة بعضُ التجار الإنكليز من عصر الملكة إليزابيث (1558-1603م) ومنهم سيزار فريدريك بصورة "فلوكيا" و"فلوجيا". انتهى.
***
-النسبة إليها:
نُسب إليها بعض العلماء، كما في "الأنساب" وغيره، وفي الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة" للغزي (3 / 122) ترجمة لعالم اسمُه أحمد الفلوجي الحموي الشافعي أحمد المفتين في دمشق، لكن الغزي لم يفسر هذه النسبة.
***
-بين الفلوجة والموصل:
ذهب الأخ الصديق الشاعر شاكر شنيار إلى الموصل للدراسة، ولكنه لم يستطع الإقامة هناك، وكتب في ذلك شعرًا، ومنه قوله عن الفلوجة مدينته:
ما بعد أرضك للكليم الموجعِ ... إلا البكاء ولوعة المتفجعِ
فارقتُها لكنها محضورة ... في القلب بل بين الحشا المتقطعِ
فارقتُها لكنها لي كعبة ... أرنو إليها والأسى في أضلعي
شقتْ دموعي في الخدود سواقيًا ... فالعينُ من نار الجوى لم تهجعِ
فارقتُها والدمع يكشف لوعتي ... عي الطبيبُ فطبُّه لم ينفعِ
(فلوجتي) فيكِ الشفاء فأنت أنـ ... ـت الطب حقًا للمريض الموجعِ
ودعتُ طيب العيش فيك بحسرةٍ ... وذهبتُ محزونًا أكفكفُ أدمعي
يا قلعة الإسلام قرّي أعينًا ... فيك الجبالُ الشمُّ لم تتزعزعِ
وقد استبدني الغرامُ لنحوهم ... فغدوتُ مخبولًا بليل أسفعِ
ضاقتْ بي الدنيا فعجتُ مسربلًا ... لنحو ذنون الحبيب فلم أعِ [كذا]
يقصدُ بـ (ذنون) نبي الله يونس، وله في الموصل قبرٌ يزار في جامع شهير.
وفي "بوارق الحقائق" (ص: 209-210) ذكرُ هذا المشهد. وكنت نقلتُه، وقد استغربه شيخنا الدبان.
***
-خطبة الأكل!
حدثني الحاج الفاضل السيد عبدالكريم الضامن قال: كتب محمد أمين السيد مهدي -وكان مزّاحًا من أهالي الفلوجة- لخطيب الجامع الكبير الشيخ عبدالعزيز الوهب خطبةً عن الأكل والمأكولات وقال له مداعبًا أنْ ألقها مِنْ على المنبر! وهذا نصُّها [مع تحرُّجي من بعض ما ورد فيها]:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي كثّر علينا "الكشك" و"الهرطمان"، وجعل فيه لذة وحلاوة للسان.
وعلى صاحبه "اللحم الدجاج المقلية"، النافع للأمراض البرصية، وآكلة سالم من كل بلية.
وعلى صاحبه الخليفة مِنْ بعده سيدنا ومولانا الكباب.
وعلى الستة الباقية الذين هم تمام العشرة المبشرة: "اليخني المفلفل"، و"الكاهي المفتخر"، و"العسل المصفى"، و"الزردة"، و"الحليب"، كلوا منهم؛ لأنهَّ فيهم نفع عجيب. [المذكور خمسة]
أيها الناس: كلوا كلَّ ذي حلو ودهين؛ لأنه مارئ للآكلين.
أيها الناس:
إذا كان التمن معه رفيق، كلوا وترضوا عن أبي بكر الصديق.
وإذا كان التمن معه خوشاب، كلوا وترضوا عن عمر بن الخطاب.
وإذا كان التمن معه باذنجان، كلوا وترضوا عن عثمان بن عفان.
وإذا كان التمن دهنه غالب، كلوا وترضوا عن علي بن أبي طالب.
وإذا كانت الباجه والمعلاق والشردانتين، كلوا وترضوا عن الحسن والحسين.
أيها الناس: إذا دُعيتم إلى وليمة فاجلسوا في أعلى منسف، فثنوا ركبتكم، وأرخوا حزامكم، وشمروا ذرعانكم، وكبروا لقمتكم، كي لا يسبقكم مَن كان معكم من الآكالين، وتندمون على ما فاتكم.
أيها الناس: إنَّ للعمدة ثلاثة مواضع: موضع للأكل، موضع للنفس، موضع للماء، فعليكم بإملاء الثلاثة مواضع، والأنفاس بيد ربكم، إن شاء أماتكم، وإن شاء أحياكم.
اللهم يا عزيز ويا غفار، ويا كريم ويا ستار. كثِّرْ علينا "محشي المنبار"، و"دولمة الخيار"، ومن الأكل ما نشاء ونختار، برحمتك يا عزيز يا غفار.
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر الجوعانين. والحمد لله رب العالمين.
***
-من أمثالها:
من الأمثال التي سمعتُها في الفلوجة: "مسعدة يا جنة أمج"، هكذا باللفظ الشعبي، وبالفصيح: "سعيدة يا كنّة أمك" إذ قد تكون البنت كنة لأمها كأنْ يتزوج رجل امرأة آيمًا ويزوج ابنه ابنتها فتصير البنت كنة لأمها وهي سعيدة؛ لأنه لن يقع بينهما ما يقع بين الحماة والكنة.
وفي "فتاوى" شيخنا الأستاذ عبدالكريم الدبان (ص: 9): "السؤال السادس: هل يجوز للرجل أن يتزوج أم زوجة ابنه؟
الجواب: نعم يجوز ذلك، إلا إذا كان هناك مانع آخر كأنْ تكون زوجة الابن بنت عمته، وواضح أنَّ أمها حينئذ أخت الرجل".
***
-حي الجمهورية:
كان سكان الفلوجة كلهم لا يتجاوزون "جامع الصديق"، وكان الوصول إلى "الحديقة العامة" يُعدُّ خطرًا، ثم امتد السكنُ وتوسع ووصل إلى ما بعد الحديقة المذكورة، وسُميت هذه المنطقة بالجمهورية؛ لأنها عمرتْ في العهد الجمهوري في العراق -أي من عام (1958م)-، ثم اتصل العمران إلى مسافات بعيدة، وتكونت أحياء كثيرة على امتداد واسع، وأصبحت "الجمهورية" قلب الفلوجة، بل أقرب إلى القسم القديم منها، وهي منطقة هادئة نظيفة جيدة قريبة إلى الأسواق، وفيها المكتبة العامة، و"جامع الراوي، وجامع أبي عبيدة" وأهلُها مرتاحون فيها، ومَن حاز ملك دار فيها لا يفرط بها لخصائصها المذكورة.
***
الفلوجة. العراق. التراث الشعبي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع