سِـبَــاقٌ وَجَــائِزَتَـــان ..
12/03/2024 القراءات: 786
سِبَـاقٌ وجَائزَتَـان..
🖊️. ياسر الدالي.
كم يأسرُك التعبيرُ القرآنيُّ في تصويره لفعلِ الطاعات، وعملِ الصالحات! التي يسعى الإنسان طوال حياته في الدنيا ليقدمها لنفسه؛ حتى يُعتقَها من الوقوع في المصير الأبدي المروِّع.
نقفُ في هذه العُجالة موقفَ التدبُّرِ مع آيةٍ قرآنيةٍ تأسرُك صورتُها الحسِّية والحركيَّة، فتبعثُ في نفسك تشوقًا غير عادي، وتحفيزًا منقطع النظير لعمل الصالحات.
يقول المولى سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ﴾، وفي الآية الأخرى يقول: ﴿سابِقوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السَّماءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ﴾.
لكنّ حديثَنا سيقتصرُ على الآية الأولى، آيةُ آل عمران، حيث تبدأ بصورةٍ تموجُ بالحركة ﴿وسارعوا﴾ خطابٌ قرآنيٌّ موجّهٌ لعموم البشر، بل والجنّ أيضًا، استخدم فيه القرآنُ الفعلَ الأمر الدالَّ على الطلب والحث، والمرتبط بواو الجماعة، لتُطلقَ لِخَيَالك العنان في هذا التصوير القرآنيِّ البديع، لترى مشهدَ المُسارعة .. الجميعُ في سباق، الكل يُسارع، يركض، يجري، ينافس، أمامكم هدفٌ سامٍ وعظيم، وهنا يأتي التحفيزُ الكبير .. تُرى لِمَ كلُّ هذه المسارعة؟!
إنك أمام جائزةٍ عظيمةٍ تستحق كلَّ هذا التعب والعناء، وقد عبّر عنها القرآن بصيغة النكرة؛ لتفتحَ أمامك كلَّ أنواع الذنوب التي تستحقُّ المغفرة.
والمغفرة: سترُ الذَّنبِ والتَّجاوز عنه، وليست مجرَّد التجاوز عن الذنب؛ لأن أصلها من (الْمِغْفَر)، وهو ما يُوضَع على الرأس حالَ الحربِ يتَوقَّى به السِّهام، وهو مفيدٌ فائدتين، هما: الستر والوقاية، ولهذا حينما يحاسبُ اللهُ تعالى عبدَه في الآخرة، ويقرّره بذنوبه، يقول له: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ».
ولكن، كيف نُسارع إلى المغفرة أيُّها الأحباب؟! نسارع إليها بفعل أسبابها، وأسبابُ المغفرة كلُّ عملٍ صالحٍ يوصلُكَ إلى قُربِهِ جلَّ وعَلا .. الأعمالُ الصَّالحةُ على إطلاقها، ولكَ أنْ تختارَ منها أكثرها أجرًا، وأعظمها مثوبة، وهي أكثر مِن أنْ نُحصيَها في عُجالةٍ هكذه.
وهل اقتصرَتِ الجائزة على المغفرة؟!
- بالتأكيد لا، بل هناك ما هو أعظمُ وأكبر، إنَّها الجَنَّة، التي مهَّدتِ المغفرةُ الطريقَ إليها، وعبّر عنها القرآنُ أيضًا بصيغة النكرة.
إذن، الجائزةُ المستحقَّةُ للمسارعة هي مغفرةٌ وجَنَّة، والإنسانُ لا تتمُّ سعادته إلا بالأمرين معًا.
وهل توقَّف التصوير القرآني عند الحد؟!
- لا، بل قال: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ وهنا أتى دور التشبيه البليغ، ليدلَّ على أنَّ فضل الله عظيم، وثوابه جزيل، لا يمكن تخيُّله، فيكفي في وصف هذه الجنة أنَّ فيها: «ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمِعَت، ولا خطرَ على قلبِ بشَر ».
لمَن كلُّ هذا يارب؟!
قال: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الذين اتَّخذوا أوامرَ الله، واجتنابَ نواهيه وقايةً لهم من عذاب الله.
ثم تُعدِّد الآياتُ بعدَها صفات أولئك المتقين: ﴿الَّذينَ يُنفِقونَ فِي السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ وَالكاظِمينَ الغَيظَ وَالعافينَ عَنِ النّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ ،، وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللَّهَ فَاستَغفَروا لِذُنوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَم يُصِرّوا عَلى ما فَعَلوا وَهُم يَعلَمونَ﴾، وبعد ذكر هذه الصفات يعيدُ ذكر الجزاء: ﴿أُولئِكَ جَزاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ﴾.
جعلني اللَّهُ وإياكم من المتقين، المستحقين للمغفرة والجنة، إنَّه سميعٌ مُجيب.
سباق وجائزتان
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع