مدونة رحمة محمد عودة


تعليم الرياضيات ...رؤية ورواية

د. رحمة محمد عودة | Rahma Ouda


07/10/2020 القراءات: 4416  


الرياضيات في عيون الطلبة: يرى بعض الطلبة أن الرياضيات تسهم في تحقيق ما يلي:
• مزيدًا من التنافس:
للتنافس وجوه عديدة والرياضيات تشكل التحدي الأكبر الذي يبرز الوجه المقيت للتنافس غير المشروع بين الطالب والمعلم؛ فالمعلم عادة ما يقدم النظريات والبراهين التي يصعب على الطلبة فهمها ويعقب على ذلك بأسئلة بالكاد يحل الطالب السؤال الأول منها ليصدمه بعد ذلك أسئلة مستقاة من عالم الخيال، وتتوالى ردود الأفعال الغاضبة من معلم حاقد على تدني مستوى الطلبة فيطلق سيل من الإهانات والشتائم على كل من له ومن ليس له علاقة من قريب أو بعيد، ومن هنا يسعى الطلبة للبحث والتنقيب في الكتب وفي عقول تجار الرياضيات ليمدوا لهم يد العون لتنتقل القصة إلى وجه آخر من وجوه التنافس فيأتي الطالب للمعلم في غده حاملاً سؤالاً ليجعل معلمه محل الاختبار، ولا يوفر الأخير جهده ففي الامتحان يصطاد الأسئلة التي يعجز عقل الطالب عن فهمها أو حلها حتى وهو في البيت على أريكة مريحة ومعه كل الوسائل المعينة، فكيف الحال وقت الامتحان والقلق مسيطر على الأعصاب والخوف من الفشل يسكن القلب، وهكذا دواليك التنافس والشد والجذب بين الطرفين لتكون نهاية مزرية من الحقد والكراهية للخوارزمي وأرخميدس وليبنتز وكل من له صلة بالرياضيات.
• مزيدًا من الملل:
منذ اللحظات الأولى لحصة الرياضيات؛ يتحدث معلم الرياضيات مع نفسه أو مع السبورة، وفي أحسن الحالات لا يتجاوب معه سوى عدد قليل من الطلبة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة أما البقية الباقية فإنهم يختلسون النظر إلى النوافذ تارة وإلى ساعاتهم تارة أخرى وفي أذهانهم طوفان من الأسئلة: ماذا سأستفيد منها، كم أمقتها؟ متى يدق الجرس؟
وفي الجانب الآخر معلم مقتنع تمامًا أن الرياضيات لم تكن يومًا شأنها شأن سائر العلوم، لقد جاءت وليدة فكر راقٍ وأسلوب سامٍ في حياة مليئة بالمتناقضات، غير أن الكمال في الكائنات الرياضية صفة غير سائدة تسمح بنقل الرياضيات من عالم الحس إلى عالم العقل.
الرياضيات في عيون المعلمين:
كُثر أولئك الذين درسوا الرياضيات في الجامعة دون أن يكون لديهم الرغبة في تدريسها، يبدأ أحدهم مهنته مقلدًا لكبار المعلمين الذين سبقوه في الميدان، أو أولئك الذين علموه قبل الآن؛ يقف داخل الحصة فتحتشد الوجوه وتنتصب الذكريات ويعود ليقرأ التاريخ، وتتزاحم التساؤلات: أي معلم أنا؟ وما التخصص الصعب الذي أدرسه؟ كم كانت ممتعة دراسة الرياضيات في الجامعة؟ كم هو صعب أن تترجم أفكارك إلى ممارسات يتقنها الطلبة؟ ما أصعب نقل ما نتعلمه من الرياضيات في المدرسة إلى الحياة؟، وهنا يكتشف إشكالية من إشكاليات التدريس؛ تلك المهنة التي سيق إليها قدرًا لا اختيارًا ويبدأ في البحث عن منابع أساليب وطرائق جديدة ليكتشف جذور هويته كمدرس، وتبدأ ذاكرة جديدة في البناء فمهمته التي يبدؤها اليوم، عليه أن يعايشها ويعيش فيها وينسج من علمه وعمله إبداعات معلم على خطى واقع ملئ بالإحباطات، عليه أن يسمو فوق المحن وأن يرتقي بعلمه وطلبته في جو تواصلي متكامل ليبني عقولاً ونفوسًا وهذا يحتم عليه تغيير النظرة السائدة للرياضيات من موضوع ذهني مجرد إلى موضوع اجتماعي نفعي، ومن هنا عليه أن يدرك أن نقل الرياضيات من السياقات الحياتية إلى المدرسة أسهل من انتهاج العكس كأسلوب تدريس يهدف إلى ربط الرياضيات بالواقع.
تطلعات مستقبلية:
لعلم الرياضيات سحر أخاذ وجاذبية خاصة وبريق مبهر يستهوي الأفئدة ويأخذ بنواصي الألباب لا يدرك هذه المزايا إلا عاشق لها، فهو مادة لإيقاظ الفكر وشحذ المواهب وبناء العقول إلى جانب كونه الأساس والقاعدة والدعامة والركيزة للعديد من العلوم المهمة التي بنت الحضارات وشيدت الصناعات وأقامت الدول؛ ويشهد على ذلك تاريخ الرياضيات الذي لا ينفك عن تاريخ الحضارات، فهي مادة البناء في أبحاث الفضاء والفلك والأجهزة الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة وتغلغلت فيها، وبالرغم من أن الرياضيات مادة مشوقة تميل النفوس الطموحة إلى دراستها وتسعى الدول الناهضة بالحضارة إلى البحث فيها إلا أنها في كثير من الأحيان تكون حجر عثرة أمام الكثيرين من الطلبة؛ وذلك بسبب عدم استيعابهم لأصولها ونظرياتها وقوانينها، أو عدم تذوقهم لجمالها وسحر أرقامها، ومما لا شك فيه أن هذا العجز عن الفهم واستيعابهم ليس عيبًا في ذات المادة ولكنه عيب نابع من ذواتنا نحن المعلمين، لقد اعتاد طلبتنا على الدراسة لهدف واحد هو اجتياز الاختبارات وبالتالي لا يطلقون بأنفسهم ولا يسمح لهم بإطلاق العنان لأفكارهم ومهاراتهم ليكتشفوا الرياضيات وعالمها الرائع بطرقهم الخاصة، ولكي يتسنى لنا ذلك لابد لنا نحن أولاً من فهم وإدراك كنه الرياضيات وخوض غمارها ليس بعقولنا بل بأرواحنا وعواطفنا لأنه لا بد أن نعيشها ونتآلف معها ونألفها ونأنس بها حتى يتحقق لنا الوصول إلى كل خباياها وخفاياها حتى نستفيد من جدواها ونستطيع أن نقدم علم الرياضيات لطلبتنا وقد جمعنا بين هدفين: الأول: أن يكون من وراء الرياضيات فائدة عظيمة يُنتفع بها والثاني: أن تكون الرياضيات عنصر جذب وتشويق وتسلية ومرح.
يجب أن يتجه التركيز على الرياضيات كثقافة حياة تمتد لتتشعب خارج حدود الفصل الدراسي، وتكون جزءًا من ترابطات ثقافية وتاريخية واجتماعية وتقدم للطلبة في سياقات حياتية حتى تصل إلى دائرة اهتمامات الطلبة ومما لا شك فيه أن الرياضيات موجودة في أدق تفاصل حياتنا، مما يسمح بتطبيقها واقعًا في حياة الطلبة لتحقق في النهاية هدفها المنشود وهو ربط الرياضيات بصميم حياة الطالب كلما أمكن ذلك، او بمعني آخر تقديم رياضيات ذات معنى.


تعليم الرياضيات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع