مدونة مسعد عامر سيدون المهري


سحر الكلمة الشاعرة .. بين التعلّق والجمال

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


23/04/2020 القراءات: 3775  


يلتفت الشاعر إلى ذاته، فينتفض وجدانه ويذوب في مناحي روحه، ويردد صدى نفسه، فيستشعر الكون والمحيط صدى كلمته الساحرة التي ينفثها، ليسري أثرها في كل ما تصل إليه من أذن بشرية حية .. هكذا وجد الشاعر؛ كيان إنساني ينتفض شعورا وإحساسا، فيصوغه لحنا شجيا مؤثرا في النفس، بين الجمال والجلال والهيبة والتقديس.
ألا يا طير الفردوس.. إن الشعر وجدان
ولو لم يكن كذلك لكان مثله مثل أي كلام .. يصل الى آذان البشر فيخاطب الأفكار التي هي محل التصديق والتكذيب وقد يصل الى حد التأثير .. أما الشعر فما هو ألا أن يصل وإذا به يحدث التأثر والتأثير .. من هنا نجد في كتب التراث قول امير المؤمنين عمر رضي الله عنه: من أفضل ما أعطيته العرب، الأبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته، فيستعطف بها الكريم، ويستنزل بها اللئيم. وكان شعبة بن الحجاج أو سماك بن حرب ( كما في الكامل للمبرد) إذا كانت له حاجة إلى أمير استنزله بأبيات يقولها فيه.. وما ذلك إلا لما في الكلمة الشاعرة من قوة التأثير وسحره، والناظر في تراثنا الأدبي يجد الكثير من القصص، فالحطيئة حينما سجن استعطف امير المؤمنين بأبياته المشهورة :
ماذا تقول لافراخ بذي مرخ .. زخب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة .. فاعفُ عليك سلام الله ياعمر
فما كان من سيدنا عمر رضي الله عنه إلا أن اطلق سراحه.. وربما ظهرت قوة سحر الكلمة الشاعرة في الرثاء .. لأن الرثاء يجمع الى صدق العاطفة صدق العبارة ويأسها من رجاء المرثى .. فمن ذا الذي لا تحركه عاطفة الخنساء المتوقدة حين تنشد فتبكي وتُبكي البواكي:
يذكرني طلوع الشمس صخرا .. وأذكر بكل مغيب شمسِ
ولو كثرة الباكين حولي .. على موتاهم لقتلتُ نفسي
وأي مشاعر التي صاغت عبارتها الجليلة تلك المرأة الموترة الواترة: فِعلُ جَسَّاسٍ علَى ضنِّي بِهِ .. قاطعٌ ظَهْري ومُدْنٍ أَجَلي
لَو بعَينٍ فُدِيَتْ عَيْني سِوَى ..أختها وانفقأَتْ لَمْ أحْفِلِ
تحمِلُ العينُ قذَى العينِ كما .. تَحمِلُ الأُمُّ قذَى ما تَفْتَلي
إنَّني قاتلةٌ مَّقتولةٌ ..فَلعلَّ اللهَ أن يرتاحَ لِي
يا قتيلاً قوَّضَ الدَّهرُ بِه ..سَقْفَ بَيتَيَّ جميعًا مِنْ عَلِ
ولنقل مثل هذا عن الشعر الجماهيري الشعبي الثوري، الذي يلهب المشاعر ، ويصور أفعال الظلمة الشنيعة، ويصف معاناة الشعب المغلوب، فيزرع فيه الأمل بالحرية والتحدي والصمود لنقرأ مثلا قول الزبيري رحمه الله حين خرج من سجون "الإمامة" ليصور بخروجه ذلك رمزية خروج الشعب من دياجر الظلم:
خرجنا من السجن شم الأنوف ..كما تخرج الأسد من غابها
نمر على شفرات السيوف .. ونأتي المنية من بابها
ونأبى الحياة, إذا دنست ..بعسف الطغاة وارهابها
ونحتقر الحادثات الكبار .. إذا اعترضتنا بأتعابها
ونعلم أن القضا واقع ..وأن الأمور بأسبابها
ستعلم أمتنا أننا ..ركبنا الخطوب حناناً بها
لقد مزج الشاعر في هذه الأبيات صدق المشاعر وقوة الكلمة وسحرها المؤثر، إلى جانب الإيقاع المتناغم مع هذا الشعور.. وعود على بدء ، التعلّق من أهم افعال القلوب ولا يظهره على صورته غير الشعر، الذي يجمع كل مؤثرات الكلمة من إيقاع وعاطفة وفكر وأخيلة .. كل هذه العناصر تشكل وعي الشعر وتستنطق تجربته، فيصوغها في قطعة قولية مؤثرة.


الشعر ، التأثر ، النفس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع