التغيير الجذري: بين صناعة المستقبل واجترار الماضي
د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim
10/02/2025 القراءات: 14
إن الكون في سفر دائم لا يتوقف، تتشكل ملامحه بلا انقطاع، وتنسج أحداثه بلا تكرار، فكل فجر يحمل في طياته عالمًا جديدًا يستدعي عقولًا واعية تستشرف الآتي، وتشارك في بناء مساراته. فالأمم التي تخطو بثبات نحو الغد وما ورائه هي تلك التي تحمل أدوات الفعل والإبداع، وتتحرى مسؤولية التغيير بلا تردد. أما الأمم التي تسكن ذاكرة الأمس، وتستغرق في البكاء على ركام الماضي، بينما تنهكها التفاهات وتصرفها الملهيات، فإنها تخاطر بأن تذوب في زوبعة التحول، فاقدة القدرة على التأثير أو المقاومة.
ليس التغيير وليد الكتب والمعارف المتراكمة فحسب، فالعلم بلا تطبيق كالسفينة بلا مجاديف، تعبث بها الأمواج ولا تبلغ شاطئًا. إنما ينبت التغيير الحقيقي من بذرة التجربة، وتزهو ثمرته بفعل الممارسة والعمل الواعي، فالأفكار تكتسب حياتها عندما تلتقي بأرض الواقع، وتصير سلمًا لصعود الإنسان. وكما قال الحكيم: "العلم دعامة، والعمل بنيان"، فلا غنى عن تضافرهما لإقامة صرح الحضارة.
ولعل من مزالق العصر أن تصبح بعض الفنون وسائل للتثبيط بدل التنوير، فالتمثيل – في شكله المائع اليوم – قد يحمل رسائل تستنزف الهوية، وتغرر بالشباب عن التطلع للمعالي، بينما يمكن لهذا الفن أن يكون مرآة تعكس قيم المجتمع، ومنبرًا يناقش قضاياه بعمق. كذلك الرياضة، فإن حصرنا فائدتها في شغف المشاهدة العابر، وتحويلها إلى ساحات صراع تلهي الجمهور عن هموم الواقع، فقد أضعنا جوهرها التربوي في ترسيخ الروح الرياضية، وبناء الجسم والعقل. لذلك يجب أن تكون هذه المجالات جزءًا من مشروع التنمية الواعية، لا أدوات للتسطيح.
إن التحدي الأكبر لأمتنا أن تنتقل من مرحلة التلقين إلى مرحلة التأثير، فنحيا بعقلية الصانع لا المتلقي، ونسعى لتجذير ثقافة الإنجاز التي ترفض الركود، وتستثمر طاقات الشباب في مشاريع تبني لا تهدم. وعلينا أن ندرك أن التغيير مسار مستمر يحتاج إلى صبر وإصرار، فكما قال ابن خلدون: "العبرة ليست بالوصول، بل بالسير على الجادة". فلنكن أمة تسبق الزمن بفكرها، وتجاهد بعملها، فالغد وعد لمن يصنعه اليوم.
#الغنيمي
#رؤية_للنهوض_الحضاري
تربية، فكر، نهضة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة