مدونة ا. د طارق هاشم الدليمي


السياسة بين الميكيافيللية والقيمية .

ا.د طارق هاشم الدليمي | Proof.Dr Tariq hashim khamees


06/06/2021 القراءات: 4913   الملف المرفق


السياسة بين الميكيافيللية والقيمية ..


اذا ما حاولنا ان نجيب عن تساؤل من يتساءل عن سبب نفور الشرفاء من السياسة ، فلا بد لنا من جولة تأصيل هذا الوازع الإنساني الغريب ، ولا نريد ان نذهب بعيدا في غور التاريخ حيث محاولات ارسطو في السياسة والأخلاق ، إذ حاول يومذاك ان يثبت ان الاخلاق والسياسة تربطهما علاقة منطقية وطيدة بحيث أنه لا يمكننا الفصل بينهما البته، من باب أن علم السياسة رأس العلوم العملية كلها وأولها الأخلاق ، ولكن سنبدأ من المدة التي تعاطى فيها من حكم بإسم الدين في اوربا قبل عصر النهضة والمآسي التي سببتها الكنيسة وارباكها لحركة المجتمعات العلمية والثقافية والاجتماعية لصالح ، الحكام والأمراء الذين كانوا شركاء لكبار الإكليروس ، وكذلك ما حصل من حكم بإسم الإسلام بعد نهاية مدة حكم الراشدين من خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما شهدته الأمصار التي دانت للقوة الجديدة فتحاً وتحريرا وحكماً ، هنا ظهر تيار يرفض العمل السياسي المبرقع بعباءة الدين ، حتى وإن كان الحاكم من المتدينين الحقيقيين ، وتعالت الدعوات الى عدم إقحام الدين بالسياسة ، ولو انهم نجحوا في مسعاهم لكان الكلام عن سياسة تؤطرها الأخلاق وأخلاق تنظمها السياسة ، لكن فشلهم في ذلك لأسباب واضحة تتمثل في تأثير العوامل الخارجية التي كانت تدفع بإتجاه صناعة (نُخبٍ) تابعة لها في مناطق النفوذ الإستعماري كان من نتائج تسلطها على رقاب المظلومين أن تتزعزع الثقة بالحاكم حتى وإن كان من اشد المتدينين ايمانا ..
إن هذه النقطة المفصلية التي وصلنا اليها كان ينبغي ان تكون نقطة انطلاق المجتمعات الحرة نحو نظم سياسية تتجنب اقحام الدين فيها حتى ولو بالإشارة ( الواهنة ) في مستهل دساتيرها بأن الدين هو منشأ احكام هذه السلطة او تلك ، وكان ينبغي عليها ان تفصل سياساتها عن الدين فصلا تاما وان تسعى الى بناء مجتمع مدني يراعي الحريات العامة ويكفل العيش الكريم والمساواة لأبناء الشعب على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم الدينية والعرقية والطائفية ، لكن الذي حصل ان من نتائج محاولات فصل الدين عن السياسة هو صعود تيارات لا تقل عن سابقتها قسوة وظلما وأعني بها التيارات الوطنية والقومية التي ( حاولت ) تغيير الواقع بنسف كل ماضي شعوبها والهجوم على السلطات الدينية ونعتها بالتخلف والظلامية والرجعية ، لكن الذي حصل ، هو ان هذه التنظيمات الجديدة قد فشلت هي الأخرى فشلا ذريعا في قيادة الشعوب في محاولة الحصول على رفاهيتها وعيشها الكريم ، فأصاب المجتمعات الإحباط واليأس واستسلموا لإرادة الحكام ( صنائع ) القوى الخارجبة .
الذي يحصل الآن بوضوح شديد هو طغيان (الميكافيلية ) على انظمتنا السياسية حيث (الغاية تبرر الوسيلة) واختراق قيم الإنسان ونبذها بعيدا من اجل مصالح أصحاب السلطة وإن كان ذلك على حساب مصلحة الأغلبية .
ان المتتبع لحركة التاريخ او الإنقلابات الكبيرة فيه ، كالثورات وحتى رسالات السماء ، يرى بوضوح انها لم تكن لتنجح وترسخ في ضمائر الشعوب الحرة الا لأنها اعتمدت مباديء احترام الإنسان واحترام قيمه فقط من دون النظر الى أنواع الإنتماء المتعددة ، الأمر الذي الهم الناس وأمدهم بالعزائم لبناء الحضارة ، ومن جانب آخر يرى المتتبع نفسه نتائج الحركات التسلطية التي اندثرت بسبب ما ارتكبته من هتك لأستار المجتمعات وهدر الدماء ..
اليوم نحن نرى سياسة من سماتها انها تتنكر لفضائل الأخلاق تأسيسا على قاعدة " الغايات تبرر الوسائل "وندعي اننا انما نحاول ان نبني حضارة !! وتناسينا ان العمل السياسي الحقيقي ينبغي ان يقوم على حفظ قيم الاخلاق حتى وان كلفنا ذلك تضحيات كبيرة .
ان العمل السياسي القائم على القاعدة المكيافيللية والذي يسلك سبلا تتجاهل قيمة الانسان لا ينتهي الا بذهاب التضحيات سدى ، وبهدم الأسس التي تقوم عليها الحضارة لأن الإنسان هو الباني للحضارة وهو الفاعل الوحيد فيها ، وهنا لا بد من ان نؤشر امرا غاية في الخطورة ، فعندما نجد عملا سياسيا بهذا المعنى فلا غرابة ان نجد ان المفهوم الأخلاقي قد انقلب رأسا على عقب ، فيصبح الناصح فضوليا متملقا ، وصاحب الغيرة على وطنه عدوا لدودا ، والشهم شقيا ، والذي يقدم المحبة أحمقاً ، وصاحب الرحمة ضعيفا ، والمنافق ذكيا ، والمتحايل نبيهاً ، والدنيء لطيفا ، والنذل دمثاً ، وبذلك تضمحل بنية المجتمع وتموت روحه ..




سياسة . اخلاق . حضارة . ميكيافيلية . قيم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


فيلسوفنا الهمام سلم فكرك وعاش يراعك 😇وقفت على الجرح… الساسة الأن صعاليك ولا يمتون الى الاخلاق بأي صلة !!! لانهم صعاليك وعملهم سلب ونهب وتحايل على الشعوب..


السياسة فى معناها الحقيقى هى رعاية شؤون المجتمع وليست عملا مخابراتيا من اجل القهر والسلوان والترهيب فهى اهر بمعروف وأداء بإحسان وشعور بالمسؤولية وداء خدمة لصالح الأمة ولكن عندما انتهت الأخلاق والقيم والعدل فى السياسة وحلت المصالح وحب السيطرة أصبحت السياسة ضد الأخلاق والقيم الإنسانية ولذا يفر منها الصالحين خوفا من الوقوع فى ظلم العباد.