رمضان والعطاء العلمي
من روائع الإسلام إن مفهوم العبادة واسع فيه، إذ يتمثل بكل جوانب الحياة بشرطين هما: ابتغاء مرضاة الله وأن لا يخالف الشريعة ، فكل الممارسات العملية والروحية والفكرية والحركية التي يقوم بها المسلم هي عبادة، ان كانت خالصة لله وموافقة لشريعته وضمن مقاصدها، ولهذا ظهرت عبارات (التفكير فريضة إسلامية- العلم عبادة).
ورمضان من المواسم التي تشجع على أداء مثل هذه العبادات المتميزة، فنجد العلماء بكل تخصصاتهم يوظفون طاقاتهم وأفكارهم في هذا الشهر المبارك لتعميق مفهوم العبادة لديهم تجاه الله تعالى، فيأتي عطاؤهم العلمي زاخرا متميزا.
فمن العلماء من تنفتح قريحته في التأليف في هذا الشهر، فيكون رمضان والصوم مادة غنية لمؤلفاته وأبحاثه العلمية ومكتبتنا العربية تضم عشرات المؤلفات في هذا الشأن: فقد استنبط الحافظ ابن ابي الدنيا (ت281ه) من الجوع بسبب الصيام مادة علمية لأحد مؤلفاته، وهو كتاب الجوع يتناول فيه آثارا قولية وعملية للصحابة والتابعين متعلقة بالجوع وأثره في تهذيب النفس والارتقاء بالروح وادراك المعاني التربوية والاجتماعية العميقة للصيام، ويؤلف الحافظ ابن شاهين (ت385 هـ) كتابا بعنوان فضائل شهر رمضان.
ومن المعاصرين: فقد ألف شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، كتابا بعنوان (شهر رمضان) ليمثل سياحة روحية في فضائل هذا الشهر المبارك، كما تحدث عن ليلة القدر بنظرة دينية تاريخية محكمة، وللباحث فؤاد مرسى، كتاب (معجم رمضان) يتناول أهم الأحداث التاريخية الكبرى التي غيرت معالم الحياة في هذ الشهر الكريم، واستعرض ما ذكر عن هذا الشهر في الأمثال الشعبية والاغاني وفي ذاكرة الشعراء والأدباء والكتاب، ويؤرخ للقراء والمنشدين في رمضان، ويضم وصفا للأطعمة والحلوى التي يشتهر بها هذا الشهر.
ومن الكتب التي فرغ من تأليفها العلماء في شهر رمضان: غريب الحديث لابن الجوزي البغدادي (ت:597هـ)، فرغ منه في رمضان سنة (576هـ) كما جاء في آخره، ورياض الصالحين للإمام النووي (ت: 676هـ) فرغ منه بدمشق يوم الاثنين رابع عشر رمضان سنة (670هـ)، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (ت: 806هـ). فرغ منه يوم السبت 9 من رمضان سنة (771هـ). كما سطره في آخرهما، وغيرها.
كما أن ظاهرة صيام رمضان جذبت انتباه علماء الطب والصحة المسلمين وغير المسلمين لدراستها علميا، وتوصلوا الى نتائج مذهلة علميا وصحيا: ومنها: إن قلة تناول السعرات الحرارية يؤدي إلى إطالة العمر وإن تقليل الفعاليات الأيضية إلى 30% يؤدي إلى إطالة العمر، فقد أظهرت مقالة مطولة نشرتها جامعة تكساس أن تقليل الطعام يؤدي إلى زيادة العمر وإيقاف التدهور في الفعاليات الفسيولوجية والبيولوجية التي تصاحب تقدم العمر، وأن خفض السعرات الحرارية يؤدي إلى زيادة عمر الحيوانات بعمر بنسبة 30-40%، وفي بحث مثير في جامعة كنتاكي في ليكسينغتون في أمريكا تبين بأن قلة الطعام يؤدي إلى رفع مقاومة خلايا المخ والأعصاب لأي مواد سمية أو تفاعلات أيضية مضعفة.
واكتشف في كلية الطب – جامعة هماتسوا في اليابان بأن تقليل الطعام يؤدي إلى تأخير ظهور علامات الأكزما الجلدية، ونشرت المجلة الدولية لأمراض القلب (International Journal of Cardiology) بأن حالات الذبحة وأوجاع القلب تقل بدرجة كبيرة عند الصائمين، وتوصلت المجلة الطبية المتخصصة بعلم الاعصاب (Acta Neurologica Scandinavica) في مقالة لها بأن الصيام يقلل الإصابة بالجلطة الدماغية وأن حالات الإصابة بالصدمة الدماغية تكون قليلة إذا ما قورنت في الأيام العادية.
لقد أدركت منصة اريد الدولية أهمية تنشيط الفعاليات العلمية خلال شهر رمضان ، ومنها اقامة المسابقة العلمية في رمضان لتحفز الباحثين على اغتنام هذا الشهر بمزاوجة العبادات البدنية والمالية بالعبادات العلمية، خدمة لديننا ورسالتنا الحضارية.
