مدونة الأستاذ الدكتور لخضر بن الحمدي
القول في آية المواريث: (يوصيكم الله في أولادكم).
أ.د لخضرحمدي لزرق | Dr.lakhdar ben hamdi lazreg
31/07/2023 القراءات: 956
يقول الله تعالى: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).
أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت يسأل عن امرأة تركت زوجها وأبويها، قال: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، فقال: تجده في كتاب الله أو تقول برأي؟ قال: أقوله برأي؛ لا أفضّل أمًّا على أب، قال أبو سليمان: فهذا من باب تعديل الفريضة إذا لم يكن فيها نص؛ وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه، وهو قوله تعالى: (وورثه أبواه فلأمه الثلث) . فلما وجد نصيب الأم الثلث، وكان باقي المال هو الثلثان للأب، قاس النصف الفاضل من المال بعد نصيب الزوج على كل المال إذا لم يكن مع الوالدين ابن أو ذو سهم ؛ فقسمه بينهما على ثلاثة ، للأم سهم وللأب سهمان وهو الباقي . وكان هذا أعدل في القسمة من أن يعطي الأم من النصف الباقي ثلث جميع المال، وللأب ما بقي وهو السدس، ففضلها عليه فيكون لها وهي مفضولة في أصل الموروث أكثر مما للأب وهو المقدم والمفضل في الأصل. وذلك أعدل مما ذهب إليه ابن عباس من توفير الثلث على الأم، وبخس الأب حقه برده إلى السدس؛ فترك قوله وصار عامة الفقهاء إلى زيد . قال أبو عمر : وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في زوج وأبوين : ( للزوج النصف ، وللأم ثلث جميع المال ، وللأب ما بقي ) . وقال في امرأة وأبوين : ( للمرأة الربع ، وللأم ثلث جميع المال ، والباقي للأب ) . وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سيرين وداود بن علي ، وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبد الله الفرضي المصري المعروف بابن اللبان في المسألتين جميعا . وزعم أنه قياس قول علي في المشتركة. وقال في موضع آخر: إنه قد روي ذلك عن علي أيضا . قال أبو عمر : المعروف المشهور عن علي وزيد وعبد الله وسائر الصحابة وعامة العلماء ما رسمه مالك . ومن الحجة لهم على ابن عباس : ( أن الأبوين إذا اشتركا في الوراثة ، ليس معهما غيرهما، كان للأم الثلث وللأب الثلثان، (وكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج، كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين، وهذا صحيح في النظر والقياس .
يفهم من هذه القصة أيها الأكارم أنّ الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يجدون مشقة ولا عنتا في الاعتراض على بعضهم البعض، ولم يكونوا أيضا يجدون حرجا في تدبر آيات الله ومحاولة الاستنباط منه بقدر ما يؤديهم إليه الاجتهاد والنظر.
إنه إذا كان الأولون قد وسعهم النظر والتدبر، إلى درجة الاختلاف، فلم لا يسع الآخرين ذلك، وهل في كتاب الله آية تمنع على الآخرين النظر والاستنباط.. أم أن الوصاية البعدية قد أثقلت الأمة فيما بعد، لتمارس دور الكنسية في القرون الوسطى.
إن ثلث الباقي الذي قال به زيد بن ثابت، لا ذكر له في كتاب الله تعالى، بل المذكور هو (الثلث) كما قال ابن عباس، ومصير زيد إلى القول بثلث الباقي، هو استحضار للترابية الكائنة بين الذكر والأنثى، فهو يقول: لو أننا أعطينا الأم نصيب الثلث لتساوت هي والأب، وهذا لا تقول به الشريعة بحسب زعمه، بخلاف ابن عباس الذي لا يرى في ذلك غضاضة.
إن مثل هذه الخلاف والذي كان للرأي فيه دور كبير، يبعث برسالة إلى الخلف، بأن دوائر الخلاف في التدبر تتسع وتتسع بحسب اتساع دائرة تقدم العلوم والمعارف، وبحسب أيضا تقدم الإنسانية وتطورها، إن التراتبية المذكورة، والسلطة الذكورية الأبوية لم تعد تجدي في عصر اختلف فيه كل شيء، وصارت المرأة شريكة للرجل في كل شيء، وأضحى النظر واجبا بهذا النحو الجديد، وليس بتلك النظر القديمة المتجاوَزة.
أيها الناس لقد جاءكم هذا القرآن وأنزله الله عليكم لتقرأوه أنتم بعيونكم أنتم، وبأفئدتكم أنتم، وبعقولكم أنتم، أنتم مخاطبون به كما خوطب الأولون، وعليكم أن تفهموه بما يتيحه لكم زمانكم من علوم ومعارف وأدوات، فالكل مطالب أن ينظر ويتدبر بقدر معرفته وما آتاه الله من علم ونظر.
آية المواريث، تفضيل المرأة، قول جديد في الميراث
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع