مكانة المرأة في المجتمع المملوكي ( الجزء الأول )
د. محمد إمام أحمد مغربي | Dr. Mohammed Emam Ahmed Maghreby
16/01/2021 القراءات: 4501 الملف المرفق
مكانة المرأة في المجتمع المملوكي ( الجزء الأول )
عائشة بنت محمد بن عبد الهادي " أنموذجاً "
(ت 723- 816 هـــــ )
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
تبرز أهمية العصر المملوكي من عدة جوانب لعل أهمها الجانب العلمي والفكري فالعصر المملوكي من أسعد العهود العلمية للدولة الإسلامية على مر تاريخها بل ويجوز لنا القول حتى بعد هذا العهد . فقد أسس سلاطين المماليك وغيرهم من العلماء الرجال أو العالمات من النساء المدارس والجامعات – حيث يذكر التاريخ بأنه لم يخل سلطان أو أمير أو أميرة أو وزير أو مقدم أو عالم إلا وترك أثراً بيٍّناً خلده التاريخ . وقد استمرت الدولة المملوكية قرابة قرنين ونصف (648- 1250 هــــــ) ، حيث انتقل وقتها مقر الخلافة الإسلامية من بغداد إلى القاهرة، لهذا تعتبر فترة مهمة في تاريخ مصر.
وتمثل فترة دولة المماليك فترة حاسمة فى تاريخ الحضارة الإنسانية بصفة عامة والعربية الإسلامية بصفة خاصة، فيها الكثير من الأحداث الكبيرة، كما أنها حفلت بالعديد من السلاطين العظام الذين تركوا لهم بصمات على صفحات التاريخ. لقد استطاع المماليك أن يشيدوا إمبراطورية ضخمة حققت وزنًا فى السياسة العالمية فى العصور الوسطى، إلا أن عصر المماليك هذا كانت له آثار سلبية مدمرة فى عدة ميادين اجتماعية، واقتصادية، وثقافية (رجب محمود بخيت، تاريخ دولة المماليك ، القاهرة: مكتبة جزيرة الورد، 2010 ، ص 469) .
وقد امتاز العصر المملوكي بكثرة ما أنشئ فيه من المكتبات العامّة والخاصة، وكان أغلب السلاطين والعلماء والفقهاء والأدباء يتنافسون في جمع المخطوطات النادرة من كتب التفسير والحديث والفقه واللغة والطب والأدبيات ودواوين الشعراء. وقد تولّى إدارة المكتبات الإسلامية رجال هم في ذروة مجتمعهم حسباً ونسباً وعلماً وفضلاً وأدباً وأمانة وصدقاً؛ وتبع الأدباء في العصر المملوكي أسلافهم.
ومنحوا أنفسهم حرية واسعة في الخروج على تقاليد أهل المقامات، وكتبوا في الوصف والغزل والعظة، وألوان من العلم، وضرب من الفكاهة والتسلية، فنجد أنّ كثيراً من الأدباء أنشأوا المقامات ومنهم: الشاب الظريف وابن الوردي والصفي الحلي والصلاح الصفدي والشهاب القلقشندي، وابن حجة الحموي، وجلال الدين السيوطي. ويهمنا هنا مكانة المرأة فى ذلك العصر من واقع المصادر المعاصرة.
وقد رفع الإسلام من شأن المرأة ، واعترف بكرامتها الإنسانية ، وأعطاها كافة حقوقها ، كما ورد في العديد من سور القرآن الكريم ، ومنها سورة النساء ففي قوله تعالىي ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) سورة النساء ، الآية 7 ، كما منحها الحق في التعليم كما جاء في قوله تعالي : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) سورة الأحزاب ، الآية 34 ، فتمتعت المرأة بمكانة كبيرة في المجتمعات الإسلامية .
ويعد عصر سلاطين المماليك من أزهي عصور تاريخنا القومي ، ولا زالت آثاره المادية ان لم تكن الروحية شاخصة بين ظهرانينا الي اليوم ، فالدولة المملوكية التي عاشت زهاء قرنين ونصف من الزمان ( 648هـــــ -923هــــ ___ 1250م- 1517م) ، تعد من اغني الدول بسلاطينها وحكامها الأقوياء أمثال بيبرس والمنصور قلاون وابنه الناصر محمد وغيرهم من السلاطين الذين شيدوا امبراطواية شاسعة الأرجاء ممتدة الأطراف ، استطاعت صد المغول ، ووقفت في وجه الصليبيين . وانتقل في عهدها مقر الخلافة العباسية من بغداد الى القاهرة ، وطبعت - أيضا - نظام البلاط المملوكي ، ونظمت الدواوين وحددت اختصاصات كبار الموظفين ، واسست اول جيش ثابت في مصر ، وحفل عهدها بقضاة ضربوا أحسن الأمثال في الأعتداد بالرآي والذود عن الكرامة ، ونساء صرن يدبرن أمور الدولة من لاية وعزل .
غير أن المكتبة العربية لا زالت تخلو من المؤلفات الحديثة التي تبحث عن دور المرأة ومكانتها في عصر سلاطين المماليك ، وذلك على الرغم مما امتاز به هذا العصر من كثرة المصادر والمراجع التي تبحث في مختلف العلوم والفنون . ولعل مرجع هذه الندرة الي أن البحث في هذا الفرع من الدراسات الانسانية المتعلقة بالنواحي الفكرية ليس بالأمر السهل اليسير ، وخاصة وقد لمسنا أثناء اعدادنا لهذه الدراسة مدي الصعوبة التي يمكن أن توجه الباحث في هذا الفرع من الدراسات ، اذ كانت الصعوبة الأولى التي عرضت لنا هي تحديد أبعاد الموضوع من ارتباط دور المراة في المجتمع المملوكي بشتي نواحي النشاط البشري في تلك الفترة . هذا بالاضافة الى قلة المادة المتعلقة بنساء هذا العصر وتشنتها في بطون المصادر والمراجع المعاصرة . ويبدو ان منشأ هذه الصعوبة مرده الى أن البحث في الحياة الفكرية في أي عصر من العصور الإسلامية يكون صعباً نسبياً .
كما تأكد الدور البارز التي لعبته المرأة ، ومكانتها في المجتمع من خلال ما أنشأته من عمائر ،أو ما أنشأت اجلها ، فهو دليل ملموس لا شك فيه يحمل الحقائق التاريخية التي تدل علي ما وصلت إليه المرأة من مكانه مرموقة في المجتمع المملوكي .وعلي الرغم من أن مجتمعات العصور الإسلامية بأنها كانت مجتمعات رجالية في المقام الأول،لكن المرأة استطاعت في عصر المماليك أن تؤكد وجودها بشكل واضح وجوهري ملموس،وان تنال احترام الجميع .
وشهد عصر المماليك ( 648هـــ -923هـــــ ___ 1250م- 1517م) بروز عدد غير قليل من النساء اللاتي شاركن في الحياة السياسية والعلمية ، والاجتماعية، والفكرية ،لذا ارتأينا أن نسلط الضوء على مكانة المرأة في تلك الحقبة من خلال شخصيتة عائشة بنت محمد بن عبد الهادي ( 723- 816 هــــ ) .
مكانة المرأة في المجتمع المملوكي ( الجزء الأول )
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة