مدونة د صالح علي ناصر الخدري


اختلاط الأفهام يفسد الأحكام

د صالح علي ناصر الخدري | saleh ali nasser alkhadri


19/11/2022 القراءات: 1306  


قد يشكل على البعض أحيانا التفريق بين بعض الأفْهَام أو الفُهُوم ( جمع فهم)؛ حول بعض المصطلحات اللغوية أو الشرعية، فيبني الشخص على هذا الفهم أو ذاك أحكاما لا تتناسب مع حقيقة المفهوم، ويهمنا هنا المصطلحات الجوهرية منها، والتي يترتب عليها إصدار أحكام مغلوطة؛ يؤدي الأخذ بها، أو معاملة الغير - بناء عليها- إلى عواقب سيئة، تنعكس على دين الإنسان وسلوكه المجتمعي ونوع تصرُّفه مع المخالف؛ مع تشكيل ثقافته الخاصة التي تتعارض مع الحقيقة المصاحبة للمصطلح؛ إلى غير ذلك من النتائج الوخيمة التي شكَّلت عائقا أمام كثير من الروابط الأخوية والإنسانية، وبني عليها الثقافة التي تشكلت من خلالها عقلية الإنسان ونوع موقعه الوظيفي والفكري؛ وطريقة التعامل مع الآخر، فكان لا بد من القول بأن مثل هذا الحال يحتاج إلى وقفة جادة وحريصة لمعالجة هذا الاختلال الفكري والثقافي والسلوكي، بإزالة الغبار المتراكم عليه، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وإعادة ترتيب المصطلحات كما ينبغي أن تكون عليه، أخذا باعتبارات عدة من أهمها حسن الصياغة؛ ودقة اللفظ؛ ووضوح المعنى؛ وصحة الاستعمال؛ وإزالة ما يمكن من إيهام مرتبط بالمصطلح، ولنأخذ بعض ما يقع عليه الإشكال من المصطلحات؛ فمثال ذلك:
الخلط بين الالتزام والتشدد، وبين التساهل والتيسير، فالالتزام ممدوح في الشرع؛ والتشدد مذموم، والتيسير ممدوح في الشرع والتساهل مذموم، ومثال مَن يقع عليه أو منه الإشكال ما يأتي:
(1) النوع الأول: شخص يحكم على مَن التزم بأمر ما مِن أمور وتوجيهات الدين الحنيف بالتشدد؛ مع أنه في الواقع ملتزم بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما نتج عنهما من أحكام، وأما التشدد فهو أمر يقع ممن كلَّف على الناس وحملهم ما شق عليهم في دينهم؛ أو منع من الأخذ برخصة من الرخص التي أذن بها الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، (2) النوع الثاني: ونوع آخر من الناس وهو على نقيض منهجية النوع السابق؛ وهو الذي يحكم على من يسَّر أمراً من الأمور التي رخص فيها الإسلام بأنه متساهل في الدين، مع أنه في الواقع مُيَسِّرٌ أخذ برخصةٍ من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أو ما نتج عنهما من أحكام فيها تيسير على العباد؛ مما استنبطه أهل العلم المؤهلين للاستنباط بشروطه وضوابطه.
وعلى ما سبق فإن خلاصة القول بأن سماحة الإسلام الحنيف تذم التشدد وتمدح الالتزام، كما تذم التساهل وبالمقابل تمدح التيسير، وكل ذلك بضوابط وهدايات واسترشاد من كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، الداعية إلى التيسير والسماحة قال الله تعالى:( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة 185، وقال سبحانه: ( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة 6، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة "صحيح البخاري 39، ونهى النَّبي عن التنطُّع والتَّشدد في الدين، فقال عليه الصلاة والسلام: " هلك المتنطِّعون" صحيح مسلم 2670ـ اللهم اهدنا صراطك المستقيم، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه؛ وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.


اختلاط ، أفهام ، أحكام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع