أساسيَّات التعليم الفعّال، وأثره في تحقيق الأهداف والآمال
أد سعدون أحمد علي جعفر | Dr Saadoon Ahmed Ali
21/10/2023 القراءات: 1009
بدءًا لا بد من الاشارة الى أنّ هناك فرقا بين كلٍّ من التعليم والتعلم؛ فالأول عملية مقصودة ومخطط لها وترمي إلى تحقيق غاية أو هدف معين وتقتضي أشخاصًا مؤهلين للقيام بها لتحقيق الهدف منها, في حين أنَّ عملية التعلم قد لا تكون مقصودةً، فالكثير من أشكال السلوك التي يتعلمُها الفرد قد يكون تعلُّمُها غيرَ مقصودٍ وغيرَ مخططٍ له, ويمكن أن يكونَ مقصودًا كما هو الحال في التعلم المدرسي, فـ(التعلم) أعمُّ من التعليم وأشمل، وهو تغيّرٌ ثابتٌ نسبيًّا في سلوك الأفراد والجماعات على مستوى التفكير و الشعور و العمل, وتعتمد إمكانية حدوث هذا التغيُّرِ على عواملَ متعددةٍ منها المتعلمُ نفسُه وطبيعةُ المادةِ المتعلمَةِ والقائمُ بعملية التعليم (المدرس) والوسائل التعليمية المساعدة.
إنّ فاعلية العملية التعليمية في تحقيق أهدافها لا تعتمد فقط على ما يمتلكه المدرس من إمكانية علمية بل لابد من أن يمتلك المهارةَ في إيصال المعلومات إلى المتعلمين عبر مواقف تعليمية مدروسة بأسلوب مؤثر وفعّال منها على سبيل التمثيل طريقة العصف الذهني التي تقتضي توليدَ أفكارٍ وآراءٍ إبداعيةٍ من الأفراد والمجموعات لحلِّ مشكلة معينة، أي وضع الذهن في حالة من الإثارة والجاهزية للتفكير في كل الاتجاهات لتوليد أكبرِ قدرٍ من الأفكار حول المشكلة أو الموضوع المطروح، بحيث يُتاح للفرد جوٌّ من الحرية يسمح بظهور كل الآراء والأفكار، وهذا يعتمد الى حدٍّ كبير على ما يمتلكه المدرس من معرفة وثقة بالنفس وثقافة نفسية وتربوية تؤهله لتحقيق هذا الهدف، وتقتضي هذه المعرفة من المدرِّس:
1- أن يَعِيَ أن المحاضرة أشبه ما تكون بالجسد البشري الذي ينتظم مجموعة من الاجزاء يستقلُّ أحدها عن الآخر، ولكنه يعتمد عليه، وينبغي أن يقسم زمن المحاضرة على أربعة أقسام, تُخصصُ العشرُ دقائقَ الأولى للتعريف المختصَر بعنوان المحاضرة وفكرتها العامة وربطها بالخبرات السابقة, وتُخصّصُ العشرُ دقائقَ الثانيةِ منها بعرض الأفكار الرئيسة ومناقشتها بإثارة الأسئلة عن مضمونها وتحصيلِ أجوبتِها من المتعلمين, وتُخصصُ العشرُ دقائقَ الثالثةِ بالتطبيقات, ثم تُخصص العشرُ دقائقَ الأخيرةِ بإعادة الأفكار الرئيسةِ في المحاضرة ورسم اتجاهات المحاضرة القادمة.
2-أن يراعيَ-عند تقديم المحاضرة- الوضع النفسي للمتعلمين لأن بهم حاجةً إلى زمن قصير للشعور بالاستقرار النفسي في أمكنتهم، لذا تُعَدُّ خطوة ربط حياة المدرس والمتعلم بمادة الموضوع من أفضل الوسائل لخلق ذلك الاستقرار, فضلا عن مناداة المتعلمين بأسمائهم، وهذا من شأنه أن يساعدَ في خلق شخصية المدرس في أذهان طلبته فضلا عن أنه يسهم في تحديد مادة الموضوع وأسلوب معالجته أيضا.
3-أن يتعرفَ طبيعة البناء المعرفي للمتعلم، أي معرفة المفاهيم والحقائق والمبادئ التي يمتلكها المتعلم حول موضوع الدرس لأجل أن تكون منطلقا للموضوع الجديد؛ إذ تساعد هذه المعرفة في تسهيل استيعاب المتعلم للموضوعات الجديدة؛ لأنها ستكون ذات معنى.
4-أن يُحيطَ علما بمعرفة استعداد المتعلمين أو ميلهم للتعلم, أي الظروف والعوامل المتعددة التي تؤثر في الدافعية نحو التعلم، و لأجل ذلك لا بد من إثارة دافعية المتعلم والمحافظة على هذه الدافعية حتى يتحقق الهدف من التعلم وبالشكل الذي يجعل نشاط المتعلم موجهًا لا عشوائيًّا.
5-أن يبدأ المدرس بعرض مادة التعلم على نحو تدريجي بدءًا بالأفكار العامة الشاملة ثم الأفكار الأقل عمومية إلى أن يصل إلى أصغر جزء يندرج في إطار الأفكار العامة, وأن يعرض هذه الأفكار على المتعلم قبل الشروع في شرح أجزاء المحتوى التعليمي المراد تعلمه؛ لما لهذه الطريقة من أثر إيجابي في مساعدة المتعلم على بناء روابطَ معرفيةٍ تصل بين المعلومات الجديدة المراد تعلمُها من ناحية، والمعلومات المتعلمَةِ سلفا في البنية المعرفية من ناحية أخرى مما يؤدي بالمتعلم إلى الفهم بطريقة هادفة ذات معنى.
6- في الموضوعات الجديدة ينبغي للمدرس أن يزود طلبته بالركيزة الفكرية الاساسية للموضوع, كتعليمهم أن الإسناد في النحو ينتظم ركنين أساسيين هما المسند والمسند إليه نحو المبتدأ والخبر، وهو موضوع مألوف لدى المتعلمين؛ فإذا أردنا تعليمهم مسوغات الابتداء بالنكرة صار لزامًا علينا التركيزُ على الموازنة بين الافكار الجديدة والموجودة لديهم بما يمكِّنهم من أن يكتشفوا أوجه الفرق في رتبة المبتدأ والخبر, ولابد من الإشارة الى أن عرض المادة بهذا الأسلوب والاستعانة بالمخططات التشجيرية للمفاهيم الرئيسة للموضوع من شأنه أن يُثريَ الدرس ويوفر للمتعلم المرتكزات الاساسية التي تمكنه من فهم المادة اللاحقة الاكثر تفصيلاً.
7-تشجيع المتعلمين على التخمين أو الحدس لاكتشاف الاجابة الصحيحة والمقصود بالحدس هو التخمين المثقف أو الذكي المبني على المعلومات المتوافرة لدى المتعلم، ومن شأن هذا الأسلوب أن يُنشِّطَ – إلى حدٍّ ما- ذلك الجانب المهمل من الدماغ وهو الجانب الأيمن الذي قد لا تراعيه مناهجُنا الدراسية؛ لأنها تركز في أغلبها على الجانب الأيسر المسؤول عن قضايا اللغة والمنطق والتفكير التحليلي.
إنَّ أسلوب التخمين والحدس في التعليم يزيدُ من قابلية الفهم ويُقلل من النسيان ويؤدي الى انتقال أثر التعلم؛ مثال ذلك أن يوجه المدرس سؤالا لطلبته عن سبب تسمية مكة المكرمة في الآية السادسة والتسعين من سورة آل عمران بـ(بكَّةَ) قال تعالى: (( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ))، فسيقودهم البحث عن الجواب إلى استحثاث ذاكراتهم وتجميع خبراتهم بغيةَ معرفةِ معنى (البَكّ) لأجل الوصول إلى معرفة سبب التسمية.
8-أن يكون هدف المدرس الوصول بطلبته الى مستوى التمكن من المادة الدراسية وذلك بإعطائهم الوقت الكافي بما يناسبُ إمكانياتِهم وقدراتِهم وهذا ما يعرف بـ (التعلم من أجل التمكن) وهي نظرية تخالف نظرية (التوزيع الطبيعي) التي ترى بأن ثلث الطلبة فقط هم الذين يتعلمون بشكل سليم وهذا يعني حدوثَ هدرٍ كبيرٍ في العملية التعليمية.
أساسيات، التعليم، الفعال، المدرس، المتعلمين
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع