مدونة د. محمد ناجي عطية


أخلاقنا - صور مشرقة وأخرى محرقة !!

محمد ناجي عبد الرب عطية | Mohammed Nagi Abdulrab Atiah


13/08/2020 القراءات: 4105  



د. محمد ناجي عطية
مدرب ومستشار بناء القدرات المؤسسية وتنمية المهارات والكوتشنج

المختصر/

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت .... فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

مقالة أخلاقنا - صور مشرقة وأخرى محرقة، محاولة لتشخيص وتحليل للأسباب الكامنة وراء ما يمكن أن تقوم به الدنيا ويستقيم نظامها وتستتب أوضاعها، أو ما قد يفسد ويعطل نظامها فتنهار مجتمعاتها ماديا ومعنويا. إنها البواعث الحقيقية والخفية التي غالبا ما تغيب في مفردات المخططين والمفكرين والاستراتيجيين، والذين كثيرا ما يركزون على القدرات والكفاءات والماديات والامكانيات، وهم أثناء ذلك يشعرون أو لا يشعرون أن كل هذه المقومات والممكنات وراءها يكمن سر الأسرار ومفتاح كل تقدم وفلاح، فأنها لا يمكن أن تقوم البتة ألا أن يتبناها الإنسان المخلص باعتباره أغلى مورد على وجه الأرض. وهذا الانسان بكل أصنافه ومستوياته ومسئولياته، لا يمكن أن يحقق المطلوب منه على أكمل وجه حتى تمتلئ نفسه وتتشبع روحه بالقيم السامية والأخلاق الفاضلة والتي أساسها ولبها وجذرها وساقها: الإخلاص في العمل، والصدق في القول والفعل، والأمانة في التعامل، وأمثالها من الأخلاق الفاضلة، فإنها صمام أمان لضمان أعلى إنتاجية وبأعلى جودة، وبكل أمانة ومصداقية، مصحوبا ببذل أقل مجهود استراتيجي في الرقابة وتوفير تكاليفها باهظة الثمن. فهذا هو سر الأسرار والمتمثل في العمل على استراتيجية إعادة الحياة للضمير الإنساني بعد أن دمرته طبيعة الحياة المعاصر.

تمهيد
لعلنا جميعا نلاحظ أن الأمة في وقتنا الراهن تعاني من ضعف وقصور شديد أن لم يكن انعدام في القيم والأخلاق على كافة المستويات، بين الحكام والمحكومين، والرؤساء والمرؤوسين، وبين المدير والعاملين، وبين المعلم وطلابه، وبين التاجر والزبائن، وبين الرجل وزوجته وأولاده وأرحامه وجيرانه.
إن هذا الدخن الذي حل بالأمة لم يكن معروف في أجيالها في العصور المتقدمة، رغم وجود السوء والشر، لكن السمة الغالبة كثيرة الخير وقلة الشر، بينما في عصورنا الحاضرة يستطيع المراقب ان يلاحظ بكل سهولة ويسر غلبة الشر وخفوت الخير من أغلب المجتمعات.

صور مشرقة
تأملت في العصر الجاهلي قبل بعثة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، فلاحظت أمرا عجيبا، أن أكثر الناس لم يكن لديهم دينا ينظم حياتهم، لكن كانت عندهم منظومة من مكارم الأخلاق، مثل الصدق والأمانة والوفاء بالعهود والعقود والكرم والنجدة وغيرها، توارثوها كابرا عن كابر، فصارت ثقافة تتناقلها الأجيال وتعتز بها، وينتقصون من لا يقيمها بل يعيرون من لا يلتزم بها، حتى أحجم "أبو سفيان" أن يكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما لاحت له فرصة يريد أن يطعن بعرضه من خلالها، أو يشوه سمعته كخصم لدود، أحجم عن ذلك حتى لا ينقل الناس عنه كذبا ولو على خصم فضلا عن صديق، وقد كان حينها كافرا ولم يؤمن بالله تعالى بعد . ومثله ما قال "عنترة بن شداد" وهو من الشعراء العرب في العصر الجاهلي: " وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مثواها"

وليس غريبا على دين الإسلام الذي كان من أول ما بدأ به أول أمره بناء منظومة الاخلاق والقيم ، أن يعِد من رفع غصن شوك من طريق الناس بالشكر من الله والمغفرة بل يدخل الجنة ويتقلب بنعيمها بسبب عمله الصغير هذا والذي عظمته القيمة التي ينتمي اليها وهي رفع الضرر والأذى عن الناس . ومثلها أن يعد امرأة بغي (مومس) بالمغفرة من كل كبائرها، بسبب كلب سقته حينما بلغ به العطش مبلغا عظيما، انه عمل صغير عظمته قيمة الرحمة التي تحييها في المجتمع. وبالمقابل يتوعد امرأة بالعذاب في النار لعمل قد يبدو في نظر الناس اليوم صغيرا لكنه عند الله كبيرا كونه يتعلق بالقيم والأخلاق التي حاولت تهدمها في المجتمع، فقد حبست هرة حتى ماتت ولم ترحمها فتطعمها أو تطلقها تبحث لها عن رزقها .

النتائج

و أثمرت هذه الاستراتيجية التعليمية التربوية عن ظهور جيل يجمع بين إقامة الشعائر التعبدية جنبا الى جنب مع القيم الحميدة والأخلاق السامية بنفس المستوى ولا انفصام بينهما سواء على مستوى القيادات أو الأفراد ، الى درجة أنه أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: " لو أن جملا أو قال شاة أو قال حَمَلا، هلك بشط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه" ، ولا غرابة أيضا أن يموت جميع الجرحى في إحدى الغزوات وشربة ماء واحدة تدور بينهم، بدأت من أولهم ورجعت إليه ثم إلى إخوانه من بعده، ولكن بعد أن فارقوا جميعا الحياة، وهم أحوج ما يكونون إليها لإنقاذ حياتهم، لكن خلق الإيثار العميق منعهم من ذلك

الصور المحرقة
من تلك الصور: انتشار ظاهرة الكذب وغياب الصدق، غياب الوفاء بالوعود والعهود والمواثيق والعقود، انتشار ظاهرة خيانة الأمانة في الأموال والأعراض، الغش في البيع والشراء وظهور الاحتكار والجشع ورفع الأسعار بقصد المشقة وكثرة التربح على حساب معايش الناس. ويدخل في معنى الغش؛ غش الطلاب في الامتحانات من أجل النجاح الكاذب، و انتشار عقوق الآباء والأمهات، قطيعة الأرحام وهجران العمات والأعمام والأخوة والأخوات وسائر الأهل والأقارب والأرحام، وتفتت الأسرة ؛ نواة المجتمع وتشرد أبنائها في الأرجاء، وانتشار الحسد والحقد والغل، وانتشار ظاهرة أكل أموال الناس بالباطل، وشهادة الزور والحلف بالأيمان الكاذبة لإحقاق الباطل أو إبطال الحقوق، وغياب خُلُق التراحم بين المسلمين من عدم توقير الصغار للكبار وضعف عطف الكبار على الصغار، ومظاهر الكبر والغرور، وعدم مراعاة مشاعر الآخرين، وعدم الاهتمام بحقوق الإنسان.

تفاصيل أوفي في صفحة الكاتب الشخصية drmnatiah.com


القيم - الاخلاق - الاخلاق الحسنة - الأخلاق السيئة - دكتور محمد ناجي عطية - أخلاق مشرقة -أخلاق محرقة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع