مدونة البرفسيور محمد عبد الرحمن يونس


ماذا يكتب محمد عبد الرحمن يونس، ولمن يكتب؟ القسم الأول ، ندوة تكريمية

البروفسيور محمد عبد الرحمن يونس | professor : Mohammad Abdul Rahman Younes


16/02/2025 القراءات: 20  


لماذا يكتب محمد عبد الرحمن يونس، ولمن يكتب؟
القسم الأول
ورقة مقدمة في الندوة التكريمية التي أقامتها الأكاديمية الأمريكية للتدريب و التعليم العالي، تكريما لمحمد عبد الرحمن يونس و دراساته وبحوثه، و أعماله الإبداعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أكتب حتى أحقق حالا من الفرح و الانسجام الداخلي، و حتى أنعتق من جحافل الهموم و الفواجع و المواجع تجاوزا لأزمنة سوداء لا خير ولاحق ولا عدل فيها، وصولا إلى زمان أكثر عدلا ونبلا و إنسانية، وقد يأتي هذا الزمان، وقد لا يأتي، وقد يتأخر، وقد يلغى، لكني أكتب، فالكتابة هي بذرة الأمل و التفاؤل التي قد تنمو، وقد تموت، لكنها تظل الفعل الجمالي المعرفي القادر على التجاوز و التخطي.
أكتب لكي أعبّر عن هموم البسطاء و الفقراء و المهمّشين المستلبين الذين لم تمنحهم الحياة سيوفا ولا رماحا، و لا أشرعة، و لا طعاما ولا شرابا، أكتب لهؤلاء الغرباء المظلومين الذين هجّرتهم سلطات أوطانهم غصبا، و نفتهم و طردتهم، و هم أبرياء لا ذنوب لهم. أكتب لكي أخدش هذا الغلاف الخارجي الأفّاق الأشر الكاذب الذي يغلّف مدننا العربية، و يحولها إلى جثّة تنهشها الخنازير و الكلاب و الأثرياء الذين يرمون نصف موائدهم للقطط المدللة التي استوردوها بأعلى الأثمان، الذين يتلاعبون بالأموال على موائد القمار وعربداتها، بينما أبناء مجتمعاتهم يتضورون جوعا وهموما ومآسي تنهد لوقعها الجبال الرواسي. أكتب حتى أعبّر عن مساحات الغباء و الحياء الزائف الذي تتقنع به مجتمعاتنا الآثمة. أكتب عن هؤلاء الذين قتلت فيه مجتمعاتهم حسهم الإنساني، و همّشت فيهم أحلامهم و طموحاتهم، و سخرت من وجودهم الإنساني،و بنياتهم المعرفية. أكتب لهؤلاء الذين لا يكتب أحد لهم، و لا يسمح لهم بأن يرفعوا أصواتهم و يقولوا: تبا لكل أشكال الفساد والوضاعة في مجتمعاتنا المعاصرة.
أكتب حتى أشير ترميزا سيميائيا إلى صور المجتمع المزرية،و إلى جحافل الفساد التي تغطي معظم علاقات المدن وقيمها، و إلى مظاهر حياة الفاسدين و المرتشين و مصاصي دماء الشعوب. أكتب حتى أكشف القناع الكاذب الذي تتجمل به النساء و الرجال معا، و عندما يُكشف هذا القناع تبدو الصور القبيحة، بكل فجاجتها وفجائعيتها و بذاءتها و قبحها في آن. أكتب حتى أشكّل من اللغة طاقة جديدة ، وتعبيرا جديدا يجعل المتلقي أكثر تأمّلا في أبعاد اللغة، و في أوضاع المجتمع الإنساني المزرية. أكتب حتى أدين الجامعات العربية الفاسدة الغارقة في الظلام، و حتى أدين ما يقوم به بعض مدرائها وعمداء كلياتها و بعض أساتذتها من تجاوز للقوانين، وممارسة الفساد و الرشاوى، و سرقة أبحاث غيرهم والترقي بها إلى درجات علمية أعلى . أكتب حتى أشير إلى منظومة الفساد أنّى كانت، وأنّى ارتحلت. أكتب محبة وانحناء للشرفاء و النبلاء الذين لم تتلوث أياديهم بعد، على الرغم من مكل مغريات الفساد و جحافله ، والترويج له. أكتب أملا في بناء مجتمع مدني تحكمه دولة القانون والعدالة و الحرية و المساواة، لا دولة الطوائف و العشائر و القبائل و العنف و السطوة و المال المنهوب الحرام من جيوب الذين لا راية لهم، و لا صوت لهم .
يتبع في القسم الثاني


تكريم يونس1، ندوة دولية، الأكاديمية الأمريكية