مدونة أ. د. مصطفى ناطق صالح مطلوب


الرأي الخاص في طبيعة التحكيم التجاري وجهة نظر قانونية

أ.د. مصطفى ناطق صالح | PROF. DR. MUSTAFA NATIQ SALEH


06/05/2020 القراءات: 3380  



بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وبعد منذ أن انتشر التحكيم التجاري في بقاع الأرض المعمورة واللجوء اليه في حسم المنازعات التجارية المتنوعة فلقد تنازع فقه القانون المتخصص في كتابات التحكيم التجاري الآراء المتعددة والمتنوعة في تحديد طبيعة التحكيم التجاري ولاي نظام ممكن ينتمي إليه. فلو تصفحنا الكتب المتخصصة في التحكيم التجاري سنجد موضوعا خاصا يتحدث عن الطبيعة القانونية للتحكيم التجاري ووجود العديد من التوجهات والآراء في ذلك والتي يمكن أن نقسمها الى هذه الاتجاهات الثلاث الرئيسية وهي:
1- التحكيم التجاري ذو طبيعة عقدية. 2- التحكيم التجاري ذو طبيعة قضائية. 3- التحكيم التجاري ذي طبيعة مختلطة.
ان هذه الاتجاهات التي ذكرتها اعلاه تستند إلى رأي معين وحجج خاصة وأنها منتقده أيضا، فمن الفقه القانوني من يرى في التحكيم التجاري بانه عقد واصله اتفاق وان ارادة الاطراف هي التي ترتب امور حسم المنازعة في التحكيم ويحدد المحكم هذه الأمور انطلاقا من مبدأ سلطان الإرادة وفي اعتراف المشرع القانوني لهذه الإرادة. وهناك من يرى أنه ذو طبيعة قضائية باعتباره عمل قضائيا خالصا يؤدي فيه المحكم عملا في حسن فض المنازعة وهو يحكم بين الأطراف .
واتجاه الآخر يرى في التحكيم التجاري خليط بين التعاقدي والقضائي فهو يأخذ من هذا ومن ذاك. لكن على الرغم من طرح هذه الاتجاهات في كل كتب التحكيم التجاري من الفقهاء السابقين والحاليين الا ان هذه الاتجاهات وجهت لها العديد من الانتقادات لأن الطبيعة العقدية مثلا لا تستطيع أن تصمد أمام ما يقوم به المحكم او هيئة التحكيم من عمل اشبه بعمل القاضي في النزاع والتزام بمبادئ حق الدفاع وإعطاء الفرصة على قدم المساواة والحياد وهي أمور من النظام العام شرعا وقانونا. والتحكيم التجاري ليس عملا قضائيا محضا فهو يتم اللجوء إليه بالتراضي والاتفاق وليس كما هو الحال مع القضاء العادي في المحاكم.
وعليه فإن هذه الانتقادات العديدة على هذه الاتجاهات في بيان طبيعة التحكيم التجاري الى ذلك الى تبني توجه حديثه نسبيا وهو اعطاء نظام التحكيم التجاري طبيعة أصيلة وخاصة لفصل المنازعات التجارية والاستثمارية المتنوعة كما هو الحال مع القضاء العادي في اي دوله لانه قضاء اصيل و حصري في كل ما يقع داخل إقليم الدولة ، ليكون التحكيم التجاري هو صاحب الاختصاص الأصيل في طائفة المنازعات التجارية والاستثمارية المتنوعة والمتطورة.
وقد يقول قائل لماذا لا نعتبر التحكيم التجاري بديلا أو استثناءً من القضاء؟
أقول وبالله التوفيق والسداد ان التحكيم التجاري حاليا طغى على كافة الوسائل البديلة والاستثنائية كما تسمى لدى البعض في حسم المنازعات من خلال قيام المشرع الوطني بفصل من نصوص التحكيم التقليدية من قوانين الإجراءات المدنية ليضع لها نجما يتلألأ في سماء حسم المنازعات من خلال إصدار تشريعات تحكيمية خاصه مستقله بهذا الشأن فضلا عن معالجة هذه التشريعات التحكيمية للكثير من الامور المتعلقة بحسم النزاع موضوعيا واجرائيا واصبح دور القضاء العادي في مقابل التحكيم التجاري ضعيف جدا بسبب منح المحكم العديد من الصلاحيات التي يستطيع من خلالها فض المنازعات بدون تدخل او مساندة القضاء ووجود ايضا مراكز التحكيم التجاري المنظم والمؤسسي التي تمارس دورها الفعال من خلال تقديم كل امكانياتها الإدارية التخصصية في فض المنازعات وايجاد كل ما يحتاجه الطرفين بهذا الخصوص.
فالتحكيم التجاري ليس نظاما بديلا ولا استثنائيا لان الاخير وفقا للفلسفة القانونية لا يمكن التوسع به ولا القياس عليه، لكن الواقع نجد ان التحكيم التجاري انتشر من خلال وجود التشريعات الخاصة به والمستقلة والمتطورة بين فترة واخرى وكذلك فتح وانتشار مراكز التحكيم التجاري المؤسسي في كل ارجاء الارض المعمورة فمن غير ممكن القبول بعد ذلك لاعتبار التحكيم التجاري بديل او استثناء!!!!
اذن نجد ان التحكيم أضحى اليوم ذو طبيعة أصيلة خاصة لحسم منازعات الاستثمار والتجارة يمتزج به الاتفاق والقضاء حيث لا يمكن ان يطغى هذا على ذاك ولا هو ذو طبيعة مختلطة حيث ان وجود التشريعات المتخصصة في مجالات معينه يعطي قوه اكبر لجعل التحكيم وسيله مهمه لفض المنازعات مع صدور تشريعات مستقلة اكثر تخصصا في التحكيم التجاري كما هو الحال على سبيل المثال قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم مشروع قانون قبل سنوات لغرض إصدار تشريع تحكيمي خاص في المنازعات المالية مع اصدارها سابقا قانون خاصا في التحكيم التجاري . وكذلك وجود العديد من القواعد التحكيمية الخاصة والمراكز التحكيميه المتخصصة في مجال حسم منازعات المالية الإسلامية كما في المصارف وعقودها. والحمد لله رب العالمين


طبيعة، التحكيم، اتجاهات، مستقل، اصيل


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع