مدونة بكاري مختار


التحول الرقمي في زمن كورونا

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


01/08/2020 القراءات: 3360  


لم يكن في حسبان كثر أن يتسبب فيروس ما في إغلاق حدود الدول وتقييد الحركة وتعطيل التجارة العالمية ونشاط الأعمال والتعليم.

وبموازاة سرعة انتشار الفيروس المفاجئة، جاءت استجابة الحكومات والشركات. فقد فرضت الحكومات القيود على الخروج، وسرعان ما تم إطلاق مواقع إلكترونية لإصدار تصاريح الخروج خلال دقائق، وهو مثال يجسد سرعة الاستجابة في مجال تطوير الخدمات وتنفيذها. وهذا هو الحال مع عدد من المدن حول العالم التي استطاعت تجاوز عاملي الحجم والسرعة لبناء مستشفيات تضم آلاف الأسرة في غضون أيام.

وكذلك دفعت هذه الأحداث المتسارعة الكثير من الشركات لاختصار مرحلة التحول الرقمي وإنجازها خلال أيام. ومع التغييرات السريعة في بيئة الأعمال تبرز أهمية التعاطف مع المتعاملين والموظفين وتوقع احتياجاتهم الحالية والمستقبلية.

وبعد أن كان مجرد محرك للتغيير، بات العالم الرقمي المنفذ الوحيد لكثير من الأعمال. ونستطيع القول إن النموذج الرقمي قد أثبت فعاليته على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وأثبت أيضاً تفوقه على النموذج الملموس وغير الرقمي المعمول به. لقد تحوّل المتعاملون إلى تبني النموذج الرقمي من دون عودة.

إن أساس النجاح اليوم في بيئة الأعمال المتقلبة يعتمد على مدى المرونة الرقمية والاستفادة من إمكاناتها. وبناء على خبراتنا في العمل مع شركات عالمية وإقليمية رائدة في القطاعين العام والخاص، نسلط الضوء على بعض التوصيات وأفضل الممارسات لدعم المؤسسات التي تحتاج لتوجيه جهودها للتحوّل الرقمي في واقعنا الجديد:

- ركز على الأمور المهمة - فكر على المدى البعيد ونفذ الآن: كن على استعداد خلال وبعد أزمة كوفيد 19 لتحويل تركيزك للتصرف بسرعة من أجل مواكبة التغيرات اليومية التي يشهدها عالم الأعمال. استبدل الأهداف الثابتة بأهداف ديناميكية مرنة ترتكز على الاستجابة السريعة والاستدامة والشفافية والسلامة الجسدية والنفسية وتوفير قيمة متميزة للمتعاملين.

- اعتمد نموذج عمل يتسم بالاستجابة السريعة ويتمحور على الخبرات: نعيش الآن في عصر العمل عن بعد الذي بات يأخذ طابعاً رسمياً. وبعد الأزمة يتوقع أن تساهم عدد من العوامل مثل الحاجة إلى خفض التكاليف واختلاف احتياجات المتعاملين واللوائح الجديدة المحتمل صدورها في بلورة نماذج العمل.

قد يكون من السابق لأوانه تقييم تأثير العمل عن بعد في منظومة المؤسسات في التوظيف والتطوير والاحتفاظ بالموظفين، إلا أن قدرة المؤسسات على الاستجابة السريعة وقبول الفشل أنه خطوة نحو النجاح هما أمر في غاية الأهمية.

احرص على غرس ثقافة رقمية متنوعة، ثقافة تدرك أهمية المتعامل وتفضل خوض التجارب وتشجع الموظفين على المشاركة وتخلق بيئة عمل تدعم الموظفين والإبداع وتحتضن المواهب الضرورية. احرص على تطوير و/‏‏‏ أو اكتساب مهارات الاستجابة السريعة والمهارات الرقمية لبناء القدرات الديناميكية اللازمة للازدهار اليوم وغداً.

- استفد من المعرفة والرؤى: لتعزيز مستوى التعاطف مع المتعاملين. فالشركات اليوم بحاجة أكثر إلى التعاطف الشخصي مع متعامليها. وهذا يتطلب تحويل التحليلات من المكاتب الرئيسة إلى الخطوط الأمامية قبل وأثناء وبعد التواصل مع المتعاملين، والقدرة على توقع وتحديد الأنماط وتحليل السيناريوهات المحتملة على نحو سريع.

- استجب بسرعة وعزز القدرات الرقمية باستمرار: يساهم الاستثمار في قطاع التكنولوجيا 4.0 مثل بلوك تشين والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي من خلال توظيف منهجية تعتمد على حالات استخدام ذات أولوية في إتاحة المجال أمام مختلف القطاعات لإنشاء نماذج أعمال مبتكرة وجديدة.

وتساهم التكنولوجيا في توفير فرصة إنشاء نسخة رقمية من المؤسسات ونماذج أولية سريعة وتطوير المنتجات والخدمات بشكل متزايد حتى يتم التأكد من إعدادها بالشكل الصحيح وبالسرعة المناسبة.

- احمِ نفسك. استعد واستبق الأحداث: مع اعتماد نظام العمل عن بعد، أصبحت الشركات أكثر عرضة للهجوم الإلكتروني من أي وقت مضى. والحل يكمن في تقييم المحيط الإلكتروني باستمرار وتشديد الرقابة وتعزيز قدرة الشركة على الاستجابة وتقييم التهديدات الإلكترونية ونقاط الضعف واتخاذ الإجراءات المناسبة ووضعها حيز التنفيذ فوراً حتى قبل أن تصبح ضرورة.

- لا تنتظر حتى تبتكر، وخاصة في زمن الأزمات: لا توجد مؤشرات مؤكدة حتى الآن على نهاية الأزمة التي نعيشها اليوم، ولكن من الواضح أن القادرين على الاستفادة من الدروس خلال هذه الأوقات الصعبة وإتقان فن التحوّل الرقمي والاستجابة السريعة والابتكار هم من سيتخطون الأزمة ويزدهرون.

إن أزمة كوفيد 19 لا تزال تواصل الكشف عن تبعاتها، إلا أنها قد غيرت المشهد الاجتماعي والتجاري العالمي من غير رجعة. ومع تلبية العالم الرقمي للتحديات التي فرضتها الأزمة، بات العمل عن بعد والتعلم الإلكتروني والتباعد الاجتماعي جزءاً من الوضع الجديد.

وحدها المؤسسات التي سارعت إلى التحوّل إلى العالم الرقمي واعتماد أساليب مبتكرة ستكون قادرة على العبور إلى مرحلة ما بعد الأزمة وبقيمة أقوى مع الاستمرار في توسيع قاعدة المتعاملين وكسب ولائهم والاحتفاظ بقوى عاملة فعالة ومبتكرة ومتحمسة للعمل.


التحول الرقمي، كورونا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع