مدونة بنطالب مولود


المدرسة الاستشراقية والتاريخ الإسلامي.

بنطالب مولود | BENTALEB MOULOUD


16/12/2023 القراءات: 1458  


تعتبر الكتابة الاستشراقية في التاريخ ظاهرة وقف عليها العديد من الباحثين والمهتمين لأن الأساسات والمعايير المحددة لعلاقة الباحث المستشرق وموضوعه تختلف من عدة أوجه: إيديولوجيا، جغرافيا، بل وحتى منهجيا، ونحن في هذا المموضوع سنبرز علاقة المدرسة الاستشراقية بالتاريخ الإسلامي تفسيرا ومنهجا، وذلك من خلال إبراز التفسير والمنهج الاستشراقي في تعاطيه مع التاريخ الإسلامي، ومحاولة إقامة نظرة من الداخل أي تصور المؤرخ المسلم في مناهجه وتاريخه، لأنه سيساعدنا لا محالة إما في إيضاح التجربة الاستشراقية في التاريخ الإسلامي ذاته، وإما سيكشف الستار عن وجهة نظر المستشرق في التاريخ الإسلامي، وبالتالي وضع التصور الحضاري للمدرسة الاستشراقية بين تجليات الموضوعية ونزعات الذاتية والركون إلى الأهواء والتعصبات، مما يفرض علينا القيام بقراءة التفسيرين معا للخروج بتقييم لهما.
1- التفسير والمنهج الاستشراقي:
من الصعب أن نضع كل المستشرقين في بؤرة موحدة تنظر إلى التاريخ الإسلامي بتفسير متفق عليه أو أن نحكم على منهجهم أنه كان واحدا في كل الأزمان والأوقات وفي كل الموضوعات التي تناولوها. وما يستحسن الإشارة إليه هو موازاة هذا التفسير عبر تاريخ الاستشراق بظروف علاقة العالمين الشرقي والغربي، وأن عملية التأثير والتأثر حاضرة لا محالة في أذهان المستشرقين ونذكر على سبيل المثال الحروب الصليبية التي تبين فيما بعد عبر كتابات المستشرقين أن فوفرة وثورة الاحتقان بين الشرق والغرب، بدأت انطلاقتها الرسمية من هذه الحروب على حد تعبير العديد من الباحثين. أما من حيث منهج المستشرقين في الكتابة التاريخية والتاريخ الإسلامي فنسجل ما يلي:
* الواقعة المفرطة في التعاطي مع الأحداث التاريخية.
* محاولة رد معطيات الدين الإسلامي إلى أصول يهودية ونصرانية.
* الاهتمام بالفرق وأخبار الصراعات التاريخية ما قبل الإسلام وما بعده.
* اعتماد مصادر غير موثوقة لدى المسلمين واعتمادها كأساس للدراسات والبحوث الاستشراقية ككتاب الأغاني للأصفهاني، ومصادر ومراجع طعن العلماء المسلمين في أمانة أصحابها.
2- التفسير والمنهج الإسلامي:
يستمد التفسير الإسلامي للتاريخ رؤيته من رؤية الله تعالى التي تعلو على الزمان والمكان، وينظر هذا التفسير إلى الاحداث بانفتاح تام ويسلط الأضواء على مساحاتها جميعا، إن رؤيته للأحداث رؤية واقعية شاملة في امتدادتها الزمنية الماضية والحاضرة والمستقبلية فيما كانت عليه، وما هي عليه، وما سوف تكون عليه، ولا يتأثر بقيمه ومثالياته الممكنة الوقوع أساسا، ولكنه من خلال حركيته على أرض الواقع، ينطلق إلى أهدافه ومثالياته، وتتجلى واقعيته حينما يسمى معركة" حنين" هزيمة وفرارا، وحينما يخاطب مهزومي "أحد" بأنهم هم كانوا السبب وراء الهزيمة، وبالتاريخ عرف المسلمون أمر حجهم وصومهم وأنسابهم، إنه الضابط لحياة المسلم ومجتمعه ودينه، إنه الجهاز المناعتي للأمة الإسلامية ولهويتها الحضارية. أما من الناحية المنهجية في الكتابة التاريخية الإسلامية، فيمكن استقراء ما يلي:
* التميز في التصور والمفاهيم وأن هذا التميز يوجب الاستغناء والاستقلال عن كافة المناهج البشرية في كتابة التاريخ، ومن بين التصورات التصور الصحيح للإسلام عن الإنسان والكون والحياة، والارتباط بالخالق جل وعلا، لأن مثل هذا التصور هو المفرق بين نظرة المسلم وغير المسلم للتاريخ.
* الالتزام بالعقيدة الإسلامية وأحكامها والتركيز في الدراسة على الأهداف والغايات.
* الإلمام بفقه الأنساب واللغة.
* استقراء التاريخ بناءا على العلم والتحقيق والدليل.
* استحضار ضوابط علم الجرح والتعديل.
* الإحاطة والشمولية في تاريخ السيرة النبوية.
3- قراءة في التفسيرين:
نستشف من التفسرين أن التفسير الاستشراقي في تعامله مع الكتابة التاريخية لتاريخ الإسلام لم يستوعب بعد المعارف الأساسية في الكتابة التاريخية في تاريخ الإسلام التي هي القرآن والنبوة والوحي وعلم الجرح والتعديل، مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وجيل الصحابة رضوان الله عليهم، ويمكن القول أن مواقفهم من هذه المعارف خاصة القرآن الكريم، الوحي، والنبوة مواقف غير موضوعية ومجرد تخمينات، أضف إلى ذلك مبالغة التفسير الاستشراقي في الشك والافتراض والنفي، وكذا إسقاطاته الوضعية والعلمانية للتأثيرات البيئية المعاصرة على الوقائع التاريخية الماضوية، إنها الوضعية المصنوعة سالفا والتي تقتصر على الانسجام مع وضعية المذهب وتساق للتدليل عليه وتأكيده، أما التفسير الإسلامي فنجده على البرهان والدليل وفي نفس الوقت قائم على الدرس والعبرة من أحداث التاريخ، أضف إلى ذلك منهجية الجرح والتعديل والرواية التاريخية القائمة على تحقيق وتتبع السند، والإلمام بفقه أسباب النزول ومعرفة الأحكام الشرعية في عقائد الرواة وكيفية الأخذ من المصادر الموثوقة، كما نجده يحتكم إلى النقل والوحي في الزمن الطويل.


المدرسة الاستشراقية، التاريخ الإسلامي.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع