خيال القوّة:قراءة في فلم (الهلفوت)لعادل إمام
سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat
31/12/2020 القراءات: 3332
قوّة الفرسان و الطغاة لا تخيف في ذاتها ،ولكنها تخيف عندما يتناولها الخيال بموجبات التهويل الى الحدّ الذي يعزّزها في النفس.ذلكم أنّ القوة في أكثرها نتاج تخييل أكثر من كونها واقعًا، لا لشيء إلّا لأننا نحن من يصنعها بنسيج الخيال،و لو أننا جردنا الأقوياء من قوّة خيالنا لكانوا أوهن من بيت العنكبوت.فليست قوة الطغاة هي التي تخيفنا فيصنعون بنا ما يشتهون، إنّ ما يخيفنا هو خيالنا عن تلك القوة،هذا الخيال هو الذي يصنع فينا ما نشتهيه عن كره .إذن ما يخيفنا حقًا هو الخيال الذي نبنيه عن القوة وليست القوة،وإن شئت فخذ هذه الأمثلة:
(أولًا):قصة موت سيدنا سليمان عليه السلام أوضح دليل على أنّ الجنّ كانوا خاضعين لخيال القوة أكثر من القوة ذاتها:(ما دلهم على موته إلا دابة الارض......)نعم سيدنا سليمان أوتي من القوة شيئا لا يؤتاه أحد من العالمين بلا شك ،و لكن الجنّ كانوا_كما نحن_ واقعين تحت تأثير تصوراتهم وخيالهم عن القوة أكثر من تأثير القوة ذاتها.
(ثانيًا):قصة عنترة مع الثور،اشتهرت على وسائل التواصل الاجتماعي هذه القصة،مؤدى القصةأنهم طلبوا من عنترة مبارزة الثور فأبت أخلاقه وفروسيته مبارزته.فقال:(و و من يـُفهم الثور أني عنترة؟.)بهذه الجملة الثقافية يخفي عنترة خوفه من الثور،و يبرّر الهزيمة على طريقة أحفاده (الهزيمة ثلثين المراجل)!.... لماذا؟.
لأن عنترة لا يبارز إلا من كانت لديه فكرة عن عنترة،و ينبغي أن يكون خصمه قد عاش صراعًا مع شبحه في النوم قبل مبارزته،وبهذا ترى عنترة يحسم المعارك باسمه (عنترة)(شدّاد) قبل سيفه!!!!.
(ثالثًا) هتلر و موسليني لم يكونا بهذه القوة ،ولكن الألمان و الطليان تخيلوهما بما لا ينبغي لهما :فأنا لا أظن أن هتلر كان قويًّا لولا خيال الشعب الألماني الخصب ،كما لا أظن أنّ قوة موسليني كانت على هذه الدرجة لولا رضوخ الشعب الايطالي لأوهامه الثقافية.
يقدم فلم الهلفوت قضية خيال القوة عبر شخصيتي (عسران الضبع) و(الهلفوت)فالأول شخص مجرم شرير، تخافه الناس وتتحاشاه اتقاء شرّه،ولكن الهلفوت بدهائه_(دهاء المقهور!)_ اكتشف أن عسران الضبع (خلَّبٌ)أي:مجرد صوت فحسب ،فقال فيه مقولتين شهيرتين تلخّصان القوة بوصفها عالمًا صوتيًّا:
١_((معلّم بالأونطة)) .
٢_((راجل مخوّخ من جوه وراعب بلد بحالها)) .
وجد الهلفوت نفسه في صراع مع عسران الضبع و شاءت الصدف أن ينتصر الهلفوت عليه،عندما اصطدم به عند محطة القطار فوجدا أنفسهما وسط السكة الحديد على مقربة من قطار مسرع ........فكان أن أصيب عسران بنوبة قلبية خوفًا من القطار أو خوفًا من الهلفوت !.......
دخل الهلفوت السجن متهما بالقتل مع سبق الأصرار و الترصد ،لولا أن ظهر للطبيب الشرعي أن عسران مات إثر نوبة قلبية،فوجد الهلفوت نفسه بطلًا قوميًّا وسط هتافات الجماهير و أهازيج المخدوعين الذين وجدوا أنفسهم إزاء بطل آخر يبرد فيهم شهوة الخيال ،مع أنه أيضًا مخوّخ من جوه،ولكن لا بأس لا بأس لأنّ العالم في نظرهم لا يستقيم إلا بمنقذ...كلّ ذلك لأن خيالهم مصدر قوة البطل المخوّخ!!!!.
يلخّص(الهلفوت) فكرة القوة ويفكّكها لكي ينبّهنا الى أنّ استيعابنا خيال القوة يجعل منّا أكثر وعيًا ودراية بأساطير الزعامة و خرافاتها.
القوّة_خيال القوّة_الهلفوت_عسران الضبع
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع