وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ. يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر
د صالح علي ناصر الخدري | saleh ali nasser alkhadri
13/09/2022 القراءات: 2212
أرشد الإسلام إلى أن يجتهد المسلم في فعل الصالحات، والنافع من الأعمال، وأن يترك أثرا في الناس بعد موته، فيكسب أجر ما تركه من الخير، ويدوم ذلك ما شاء الله له أن يدوم، وهذا من إكرام الله تعالى لعباده، وقد كان من دعاء إبراهيم عليه السلام كما حكى الله عنه: ( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) سورة الشعراء84، أي اجعل ذكرا جميلا بين عبادك، وأثرا طيبا بينهم.
وإن كل ما يتركه الإنسان يبقى، خيرا كان أوشرا، قد أحصاه الله تعالى، كما قال ربنا سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) سورة يس 12.
والمطلوب والمراد أن يترك المرء المسلم أثرا طيبا صالحا يزيد من رصيد حسناته، ويكون سببا في رفع درجته عند الله تعالى، ويبلع به مرضاته سبحانه، كما ينتفع بآثاره غيره من أهله وذوِيْه والمسلمين عموما، وهذا حال المسلم العاقل، لم يكتف بما عمل في حياته من جَني الحسنات، بل يطمع بدوامها بعد موته، فيجتهد فيما يكون أثرا بعد موته، ويحرص على نفع غيره بذلك، قال الشاعر: وكن رجلا إن أتوا بعده يقولون مر وهذا الأثر
وقال آخر:
قد مات قومٌ وما ماتَتْ مكارمُهم *** وعاش قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ
فالمسارعة المطلوبة إذاً في فعل ما يمكن من الأعمال الصالحة النافعة التي بها يترك بها المسلم أثرا في حياته وبعد مماته، مع اجتناب ما لا يرضى به الله من الأعمال الفاسدة، قال عليه الصلاة والسلام:
"مَن دعا إلى هدًى كان له مِن الأجر مثلُ أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام مِن تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" رواه مسلم،
وقال عليه الصلاة والسلام: "مَن سنَّ في الإسلام سُنة حسنة، فله أجرُها وأجرُ مَن عمِل بها بعده، مِن غير أن ينقص مِن أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سُنة سيئة، كان عليه وِزرُها ووِزرُ مَن عمل بها مِن بعده، مِن غير أن ينقص من أوزارهم شيء" رواه مسلم.
وإن من أهم ما يمكن فعله من الأعمال الصالحة ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه، بقوله:
"إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا مِن ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له" رواه مسلم
وقوله عليه الصلاة والسلام: " إن مما يلحق المؤمنَ مِن عمله وحسناته بعد موته: علمًا علَّمه ونشَرَه، أو ولدًا صالحًا تركه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا كَرَاهُ، أو صدقةً أخرجها مِن ماله في صحته وحياته، تلحَقُه مِن بعد موته" رواه ابن ماجة.
وغير ذلك من الأعمال التي جاء الحث على فعلها، ونصَّت عليها الأحاديث الصحيحة، وقد جمعها الإمام السيوطي رحمه الله بقوله:
إذا مات ابنُ آدمَ ليس يجري عليه مِن فعالٍ غيرُ عشرِ
علومٌ بثَّها، ودعاءُ نجلٍ وغرسُ النخلِ والصَّدَقاتُ تَجْري
وراثةُ مصحفٍ، ورِباطُ ثغرٍ وحفرُ البئرِ، أو إجراءُ نهرِ
وبيتٌ للغريبِ بناه يأوي إليه، أو بناه محلَّ ذكرِ
وتعليمٌ لقرآنٍ كريمٍ فخُذْها مِن أحاديثٍ بحصرِ
وإن مما ينبغي الإشارة إليه أن على المسلم عدم احتقار أي عمل يتيسر له فعله، أيا كان قدره، ما دام مشروعا وجائزا، فإنه لا يعلم أي عمل يكون سببا في نجاته، وأيّهُ أعظم بركة عند الله تعالى، وقد قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: "بلِّغوا عني ولو آية" رواه البخاري، وفي ذلك حث على النفع بما تيسر من الخير، وإن أعظم النفع تعليم الخير، وأعظمه على الإطلاق تعليم آية أو آيات من كتاب الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: "خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ" رواه البخاري,
العمل الصالح- الأثر- السنة الحسنة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع