من أخبار العلماء مع الملوك والأمراء
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
05/03/2025 القراءات: 42
-الرغبة في العلم:
قال العلامة طاشكبري في ترجمة العالم خليل الجندي: "كان هو أول قاض من قضاة العسكر. وقصته أنَّ السلطان أورخان ذهب يومًا إلى بيت المولى علاء الدين الأسود؛ لأجل زيارته، ولما دخل داره وجد المولى المذكور يصلي في منزله فتوقف ساعة وقال لبعض الطلبة الحاضرين هناك: أريد أن أصلي أيضًا، فتقدّم مولانا خليل المذكور وصلى هو والحاضرون خلفه.
ولما خرج المولى علاء الدين من بيته قال له السلطان: الرعايا يتحاكمون إليَّ وأنا على السفر ولا علم لي بالأحكام الشرعية، فعيِّنْ لي واحدًا من طلبتك ليسافر معي ويحكم بين الناس عند الحاجة، فقال المولى: خذ معك واحدًا من الحاضرين. فتضرع الكل إليه ليرد عنهم هذه المصلحة، فقال له السلطان: عيِّنْ واحدًا منهم آخذه جبرًا. فعيَّن مولانا خليلًا المذكور فذهب وهو يبكي".
***
-وعظ السلطان:
قال الشيخ زكريا الأنصاري عن السلطان قايتباي: "إني أغلظتُ عليه يومًا في النصيحة بحضرة بعض الأمراء والأكابر فتغير مني فتقدمتُ إليه ثم أمسكت يده وقلت: يا مولانا السلطان إنما أعظك بأمور؛ لأنها تقضي عليك، وأخاف على جسمك هذا أنْ يصير فحمًا من فحم جهنم، فصار السلطان ينتفض ويبكي".
وقلتُ له مرة في الخطبة:
تنبهْ لنفسك يا مَنْ ولاه الله أمور العباد، وتفكرْ بداية أمرك وما كنت فيه وحالك اليوم:
قد كنتَ عدمًا فصرت وجودًا.
وكنتَ كافرًا فصرت مسلمًا.
وكنتَ رقيقًا فصرت حرًّا.
وكنتَ مأمورًا فصرت آمرًا.
وكنتَ أميرًا فصرت سلطانًا.
فلا تقابلْ هذه النِّعم بالتجبر والتكبر، وتنسى مبدأك ومنتهاك، ووضعَ أنفك في التراب حين تموت، ثم يأكلك الدود وتصير ترابًا.
فبكى السلطانُ ثم قال لمن حوله من الأمراء: إذا أبعدتُ هذا فمَنْ يقول لي هذا الوعظ". الطبقات الصغرى للشعراني (ص: 42).
***
-طريق الحق:
قال الشيخ الشعراني عن الشيخ محب الدين البكري: "يكلم أعظم الأمراء كما يكلم آحاد الناس".
وقال: "لا يخاف في الله لومة لائم".
وقال: "ما رأيته حاد عن طريق الحق، ولا هاب أحدًا من الولاة والأكابر بل يصدعهم بالحق، وهذا الأمر قد انفرد به في مصر الآن".
وقال: "وله تهجد بالليل وأوراد عظيمة وصيام كثير، وعلى وجهه الخفر والوقار".
***
-ألهمك الله العدل:
قال العلامة نجم الدين الغزي في ترجمة والده شيخ الإسلام محمد بدر الدين الغزي (904-984هـ): "لزم العزلة عن الناس في أواسط عمره لا يأتي قاضيًا، ولا حاكمًا، ولا كبيرًا، بل هم يقصدون منزله الكريم للعلم، والتبرك، وطلب الدعاء، إذا قصده قاضي قضاة البلدة، أو نائبها لا يجتمع به إلا بعد الاستئذان عليه والمراجعة في الإذن، وقصده نائب الشام مصطفى باشا فلم يجتمع به إلا بعد مرات، فلما دخل عليه قبّل يده، والتمس منه الدعاء فقال له: ألهمك الله العدل، ولم يزده على ذلك، فكرر طلب الدعاء، فلم يزده على قوله: ألهمك الله العدل، وكانت هذه دعوته لكل مَن قصده من الحكام.
واستأذن عليه درويش باشا نائب الشام فلم يأذن له إلا في المرة الثالثة، فقبل يده ورجله، وأشار إليه الشيخ أن يجلس معه على فراشه فأبى درويش باشا وجلس بين يديه، وطلب منه الدعاء فقال له: ألهمك الله العدل، وأوصاه بالرعية وقال له الباشا: يا سيدي ماذا تسمعون عني؟ فقال: الظلم، بلغني أن صوباشيك ضرب إنسانًا في تعزير حتى مات.
وضرب آخر فبالغ في ضربه فاستغاث بالله، واستجار برسوله صلى الله عليه وسلم فلم يخل عنه فقال له بحياة رأس درويش باشا، فخلى عنه، وهذا يدل على كفر كامن في قلبه، وعتو وتجبر، فأمر درويش باشا برفع صوباشيه في الحال وغضب عليه، وجاء بعد ذلك الصوباشي إلى الشيخ فزجره، وطرده". الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة (3/ 5).
***
-تقديم العلماء:
قال أبو الهدى الصيادي في كتابه "محجّة العظماء في تعظيم العلماء" الذي أهداه إلى خزانة كتب السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، (ص: 50-52):
"الانقياد لمقام الخلافة الإسلامية أمر شرعي، صادر عن جناب النبي الزكي عليه صلوات الله في كل صباح وعشي.
والمبلِّغ عن النبي العظيم أحكام شرعه الكريم هم العلماء، فمِن هذا التمهيد الوطيد يتعينُ عقلًا وحكمةً تقديمُ العلماء على المشيرين والوزراء، ولا يُظن بمشير أو وزير يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وله مساسٌ عقلي يصل إلى حكمة الشرع، وفنِّ انتظام النوع، أنْ يجحد هذا الحكم، أو أنْ ينازع به.
وحينئذ فتأخيرُ صنفِ العلماء في المواسم والمواقع الرسمية عن المشيرين والوزراء غير معقول، ومخالفٌ للمنقول، ومنافٍ لما في الشرع المحمدي من الأصول، ومباينٌ للمدنية الوقتية بالكلية، فإنَّ المدنية تقضي بالمساواة، وخذلُ العلماء وحطُّهم عن رتبة المساواة مع صنوف أمةٍ هُم منها، بل هم أعيانُها وقاداتها، إنما ذلك يؤثر على الطباع، ويجعل شيئًا في القلوب؛ لأنَّ غاية السلك العسكري المشيرية، وغاية السلك الملكي الوزارة، وغاية السلك العلمي قضاء العسكر، فما هذا التقديم لأولئك الصنفين إلا معارضة للحكم الشرعي، وللوضع المدني، سيما وأنَّ السلكين المذكورين رؤساؤهم لا يتجاوزون الممالك السلطانية، وأمّا العلماء فهم في جميع البلاد الإسلامية في الشرق والغرب، والهند، والسند، والإيران، وأفغانستان.
وكل عالمٍ على وجه الأرض لا بد وأنْ يحزن لهذا التأخير الذي صار خاصًّا بعصابة جنسه، وكأنَّ ذلك الإحقار حصل لنفسه.
فيا ليت لو حصلت المساواة للصنف العلمي مع أولئك تطبيقًا لقاعدة المدنية، والحال أنَّ الأمر ملزمٌ بتقديم هذا الصنف العالي انقيادًا للأحكام الشرعية، التي هي روحُ الملة الإسلامية...".
***
-سعيد الحلبي:
قال الشيخ علي الطنطاوي في مقال له: «وأختم بقصّة الشيخ سعيد الحلبي عالِم الشام في عصره، وقد كان في درسه مادًّا رجله فدخل عليه جبّار الشام إبراهيم باشا، ابن محمد علي صاحب مصر، فلم يتحرّك له ولم يقبض رجله ولم يبدّل قعدته. وتألّم الباشا ولكنه كتم ألمه، وذهب فبعث إليه بصرّة فيها ألف ليرة ذهبية (وكانت -يومئذٍ- تعدل مليون ريال الآن)، فردّها الشيخ وقال للرسول الذي جاءه بها: قل للباشا إنّ الذي يمدّ رجله لا يمدّ يده!".
***
التاريخ العلمي.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة