مشكلة الهروب القسري للفتيات
الدكتورة : فاطمة عيسى محمد | Dr.fatma Essa Mohammad
24/09/2021 القراءات: 3814
لاشك أن الإسلام كرم المرأة أيما تكريم ، فقد أخرجها من ظلمات الجهل ومرارة الوأد إلى نور الهداية والطمأنينة والسعادة ، انتشلها من القهر إلى العزة والكرامة ، فكانت صاحبة رسالة في مجتمعها، وملكة متوجة علي عرش أسرتها، مما أوغر صدور أعدائها فأصبحوا يترصدونها للإيقاع بها في براثن الفتن والغواية ، حتى أخرجوها من مخدعها .
فضاقت ذرعاً بحجابها، وتمردت على مجتمعها، واتنشت بحريتها المزعومة ، فأصبحت تلك المرأة الراقية المتطورة في نظرهم ، فقلدت الرجل تارة ، ونافست الرجل تارة أخرى، وتمردت مرات عدة على قيم دينها وعادات مجتمعها .في الآونة الأخيرة ظهر نمط جديد للتمرد في المجتمعات العربية عامة، والخليجية خاصة، وهو الهروب القسري للفتيات، فالهروب القسري أي الخروج من مكان إلي آخر إكراهاً.
ويطلق علي خروج الفتيات من بيوت أسرهن، أو من بلادهن مكرهات لأسباب اجتماعية أو غيرها ، فهن هربن من أسوار الأسر الحصينة، هربن من الظلم والحصار، هربن من العنف والتنمر، هربن باحثات عن الحرية ، أو الأمان، أو الغنى، أو العاطفة، فقاذفتهن أمواج الحياه ، وحطت بهن علي سواحل الحرية المزعومة.كثير من حالات الهروب من الأسر في الوطن العربي تعود لعدة أسباب ، فقد كشفت دراسة لدائرة الخدمات الاجتماعية في احدى الإمارات أن من أسباب الهروب القسري مايلي :
١- العلاقات العاطفية والبحث عن الحب يعد أهم أسباب الهروب ، أ و إجبار الفتاة على الزواج من غير رغبتها والسبب في ذلك، حسب تحقيق أجرته مجلة سيدتي في عددها الصادر في ٢٦-٢-٢٠١٣م بأن ذلك يعود إلى ما يعرضه الإعلام المرئي من محتوى اجتماعي غريب علي مجتمعاتنا العربية، فتحلم فيه الفتاة بفارس الأحلام المنتظر كما تصور لها في الإعلام .
٢- التفكك الأسري وتعدد الزوجات مع عدم العدل بين الأبناء في النفقة، والرعاية، والاهتمام ، يدفع الفتاة إلي البحث عن الأمان خارج البيت أو خارج البلاد وكذلك الدلال الزائد للفتاة .
٣- العنف الأسري، والتنمر الذي تتعرض له الفتاة في محيط أسرتها من الوالدين أو الإخوة ، فقسوة المعاملة ونبذ الفتاة في أسرتها، وتعمد الوالدين تفضيل البنين على البنات ، وطغيان مبدأ المصلحة الفردية في الأسرة، يجعلها تهرب من جحيم العنف الأسري إلى جحيم المصير المجهول ،هذا ما ذكره أ.د. رشود بن محمد في صحيفة الاقتصادية في عددها الصادر بتاريخ ١٦-٤-٢٠١٧
٤- ضغط الحياة ،انشغال الأبوين ، وارتفاع تكاليف المعيشة قد يعطي الفتاة فسحة أوسع من الحرية والتصرف خارج نطاق منظومة الرقابة الأسرية، فتصبح صيداً سهلاً لأصحاب النفوس المريضة.
٥- غياب الحوار والتفاهم بين أفراد الأسر، وإن كانت مستقرة ، وأحوالها المادية جيدة، وغياب التوجيه الإيجابي يعد سبباً لهروب الفتيات
٦- شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً في قفص الاتهام بما يعرض فيها من يوميات ، وصخب الحياة ، وأحلام وردية ، وترف العيش ، وكذلك سهولة التواصل مع أشخاص حول العالم ، مما يسبب الابتزاز الالكتروني ، ويسهل المهمة لهروب الفتيات، سواء هروب فردي ، أو جماعي ،
٧- وأحياناً القوانين التي وجدت لحماية الأطفال من العنف ، قد تعطي الحق للأبناء بتقديم شكوى على الآباء، فتساهم في سقوط هيبة الأب ، وتوتر العلاقة الأسرية ، مما قد ينجم عنها تمرد الأبناء.
نوصي ببعض الطرق التي يمكن من خلالها الحد من تفاقم المشكلة :
* إيجاد القوانين التي تساهم في الحد من العنف الأسري وتوجد ما يضمن سلامة الفتيات ، علي غرار قانون (وديمة لحماية الطفل ) في دولة الإمارات .
* متابعة جذور المشكلة وبداية إرهاصاتها من خلال المدارس ، وإعادة بناء منظومة الخدمة الاجتماعية ، والإرشاد الأسري.
* إجراء دراسات وإحصائيات دقيقة عن هروب الفتيات ، حتى داخل مراكز الإيواء والرعاية الاجتماعية، لأنها تشهد كثير من حالات العنف والتنمر .
* التوعية المستمرة لفئة الفتيات حول أضرار شبكات التواصل الاجتماعي ، والمراقبة الأمنية المستمرة لأجهزة الفتيات والمكالمات الالكترونية المجانية ، ،ذلك بموافقة ولي الأمر في حال وجود شبهة في سلوك الفتاة، دراسة في المملكة السعودية نشرت في صحيفة الوطن في عددها الصادر يوم ٢٥-١٢-٢٠١٩م ، ذكرت أن مانسبته ١٨ ٪ من الهاربات يعشن حياة مستقرة مع الوالدين معاً ، ولايعانين من التشتت الأسري ، وأكدت أن مانسبته ٤١٪ كان بسبب شبكات التواصل الاجتماعي.
*زيادة الوعي الديني داخل الأسرة بعد ملاحظة ضعف الوعي الديني في مناهج المدارس في مرحلة التجديد ونسف القيم .
* قيام مجموعة من المتطوعات بالتطوع مع دوائر الخدمة الاجتماعية، أو المدارس الثانوية، لدراسة حالات الفتيات والمساهمة في التوجيه والإرشاد كل حسب اختصاصه، والتطوع للقيام بالدراسات التي تخدم المشكلات الاجتماعية التي تعانيها الفتيات.
* على الوالدين تقوى الله في تربية البنات حسن التربية ، لنيل بشري رسول الله التي جاءت في الحديث : " من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار"
وختاماً: هذه الهاربة ليست مجرمة، فقد يكون المجتمع هو المجرم في حقها، فلابد من التكاتف للأخذ بيدها لبر الأمان ، لأن هناك من يستهدف عقيدتنا ووطننا.
دكتورة / فاطمة عيسي محمد- عضو اللجنة الاستشارية بمنصه أريد
ورقة مشاركة في مؤتمر حقوق وقضايا المرأة في القرن الحادي والعشرين - المركز الخليجي للمعلومات والوثائق – الكويت من٨-٩ فبراير٢٠٢١م
الهروب القسري، الخدمة الاجتماعية، المرأة ، العنف الأسري، غياب الحوار، شبكات التواصل، تربية البنات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة