مدونة ناصر عبد الكريم الغزواني
قصيدة قاتلة في حب الله العظيم
ناصر عبد الكريم الغزواني- أستاذ مشارك | Nasser El Ghuzawany
01/08/2022 القراءات: 2434
أسوق هذه القصيدة الرائعة التي تهز القلب ولا تدعه( رواها الشيخ محمد المجذوب عن ولده غسان) …
فاقرأ مليا ، وتأمل طويلا ، وحاسب نفسك على ضوء ذلك.......
- - -- -
غسان فتي متلألئ ، كان يلاحظ أن أباه الشيخ ، يبكي دائما كلما تلا كتاب الله تعالى ، أو أصغى إليه ..
ذات ليلة قرر أن يجلس إلى أبيه ، ويسأله عن سر هذا البكاء ….
وابتسم الشيخ ، وفاضت أنوار روحه على قلب ولده ، وأجابه إجابة يدور لها عقل المستمع …
فلا يملك إلا أن يطأطئ رأسه حياءا وخجلا من رب العالمين.... ….
تعالوا نتسلل لنصغ إلى ذلك الحوار العجيب بين الفتي وأبيه
يوضح الشيخ الصالح أن غسان ولده يلومه لما رأه يبكي ولاتقوى جفونه على حبس الدموع ويسأله عن سر هذا الضعف المفاجئ عندما يسمع القرأن أو يتلوه وهو الذي يتميز بحكمته التي تنبهر وتخضع أمامها المواقف والأحداث
لقد لامني غســـان لمّــــا رآنيـــا
أغالبُ أجفاني على الدمع جاريا
يقول : علامَ الضعفُ يغشاكَ كلما
سمعتَ كتابَ اللهِ أو كنتَ تاليـــا
وأنت الذي لقـنتنـا الصبر حكمـةً
يخـرّ لديهـا الخطبُ خزيانُ واهيا
ويقول غسان بعد ظنه الخاطئ بأبيه: لم تتعود أن تعرض عن كتاب الله وتنأى بجانبك عنه, فهل تلك هي أعراض الشيخوخة المبكرة؟ أم المرض؟ أم أشياء أخرى لا أعرفها؟
ولستَ بفضلِ الله ممــن إذا جـــــــرى
على السمعِ ذكرُ اللهِ أعرضَ جافيا
أذلكَ رجعُ السنِ وافـــــاكَ مبكــرا
أم السقمُ أم أشياءُ لم أدرِ ما هيا
ويجيب الشيخ الكبير ولده مسرعا ويدعوه أن يتمهل وأن لا يتسرع ويظلمه في حكمه,فهو الحب الذي يستبدل النهى"العقل" جنونا ( نهى جمع نهية ومعناه عقول ,كما يقول عز وجل"إن في ذلك لآيات لأولى النهى" أي أصحاب العقول) ويستخذى له الدمع عاصيا: أي يخضع الدمع لهذا الحب وينزل حتى وهو في حالة عصيان "روعة تشبيه عالية جدااا" , وليس حال العاشق الولهان "جميل" لبثينة بأشد منه ولعا وعشقا, ولا يقارب اخلاص ابن ذريح"قيس " إذ يفارق وعيه لمحبوته ليلى,لاخلاصه وتفاينه لمحبوبه العظيم..
فقلتُ : رويــداً يــا بُنيّ فــــإنني
أُعيذكَ أن تشتطّ في الحكمِ باغيا
هو الحبّ يا غسانُ يستبدلُ النهى
جنوناً ويستخذي له الدمع عاصيا
وليس( جميلٌ) لا وربّ ( بثينة))
بأوجــدَ مني لو تعرّفــتَ شـانيـا
ولا (ابن ذريح) إذ يفارق رشده
بـ(ليـلى) أشــدّ اليومَ مني تفانيا
سبى"أسر وفتن" قبلي العشاق الجيد والمقلة "الرقبة والعيون" ولم يلمهم أحد, فكيف تلوموني؟ ولا أريد أن أتمتع بحب أحد وأخجل أن أكون من اللاهين في الحياة الدنيا, ولكنى وجدت في حبى لمحبوبي"الله" لهيب يشفي من كل مرض , ولأن تعلق وهام غيري بأي جمال, فإن تعلقي وهيامي بمصدر هذا الجمال.
سبى قبلي العشاق جيدٌ ومقلةٌ
فجنوا وما ليموا فكيف ملاميا ؟
وما أنا بالباغي على الحبِ متعةً
وأخجلُ أن يلقاني اللهُ لاهيــــا
ولكن في حبي لهيـبــــاً مطهـــــــراً
وجدتُ بهِ من كل داءٍ شفائيــا
لئن هــامَ غيري بالجمالِ فإنــما
بمصدرِ أسرار الجمالِ هياميــــا
وكم حديث من حبيب مفتون بهوي أصيب بداء العشق والهوى وازداد لهيب هذا العشق ورأى حبيبه من خلال أحلامه وكان هو الدنيا والأماني لحبيبه...فكيف تريدني أن أملك الوعي لحظة إذا قرأ هؤلاء المثاني"الفاتحة" ولكني أمسك جفوني عن البكاء وفي داخل أحشائي خزانات دمع تبلغ التراقي"مقدمة الحلق من أعلى الصدر" وفي كل حرف اشراقات ربانية تجعلتي أنسى حياتي ووجودي...
ورُبّ حديثٍ مــن حبيبٍ مُغَـــررٍ
ألـمّ بصـــبّ فاستطيرَ تصابيـــــا
تراءت له أحــلامهُ من خـــــلالهِ
فكانَ هو الدنيــا وكان الأمانيـــا
فكيفَ تراني أمـلكُ الوعيَ لحظـةً
إذا رجّـع التالـونَ تلك المثانيـــا ؟
ولكنني أعصي جفوني وفي الحشا
مراجلُ دمـعٍ قد بلغنَ التراقيــا
وفي كل حرفٍ ثَـمّ للقلبِ نفحـةٌ
أكادُ بها أنسى وجودي وذاتيا
وأوشك أن أرى نور الله يتقرب نحوي برحمته ....فتنطلق روحي هائمة في كل مكان ..وترى كل شئ غيره عديم الوجود..عدبم الحياة..فلا يخيفني أو يقيدني أي شئ ..ولا يغطيني سوى ذلك النور الذي يخرج من مأقى ..دموع العين! "انظروا لروعة التشبيه البديع هنا"... كشخص هارب لو لمس حافة اي جبل راسخ...لفر على ركبتيه خشية من الله "جل جلاله"....
وأوشكُ فيها أن أرى اللـهَ جهرةً
يُطــلُ برُحماهُ علـيّ مُنـاجيــا
فتسـبحُ روحي منهُ في كل عالمٍ
أرى كلّ شيءٍ فيه –حاشاه-فانيا
فلا قيـدَ من خوفٍ وفقرٍ ورغبةٍ
ولا سـترَ إلا النـور يغشى المآقيا
كهـاربُ لو مسّـت حشا الطودِ راسخاً
لخــرّ لهـا من خشـيةِ اللهِ جاثيــا
كفاك لوما ياغسان.... فإنني أستمتع وأجد السعادة مع هذا الدمع الذي يقضي على كياني......فلم يبكي أبوك ضعفا وانهزاما....وإنما بسبب حنينه للإله العظيم الذي يخضع ويخشع له الكون باكيا .....
أقـلّ علـيّ اللومَ غســانُ ، إننـي
سعيـدٌ بهذا الدمـعِ يفني كيانيـا
فلم يبكِ من ضعفٍ أبوك وإنمـا
حنـينـاً لمـن يعنـو له الكونُ باكيا
إن الكلام عن الله عز وجل يغسل النفوس من بلايا الدنيا ولعناتها, والاقبال عليه بكل الروح والعقل والقلب... هو الحل الوحيد للبشرية للتخلص من شقاء ومصائب الدنيا..
عرض وتعليق: دك ناصر عبد الكريم الغزواني
الله- غسان- الفتي- الحب الأبدي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع