مدونة ا.م.د.سهاد عادل جاسم القيسي


تجهيل الخطاب الاعلامي العراقي

ا.م.د.سهاد عادل جاسم القيسي | SUHAD ADIL JASIM AL-KARAWI


31/10/2020 القراءات: 4633  


تكمن موضوعة الكتاب في اشكالية انتاج خطاب لغوي قادر على غسل العقول المتلقية له، وأُولى هذه الاشكاليات عدم مقدرته على التحكم بالمعلومات و صياغتها و طريقة تقديمها وتركيز تقديمها و كثافته,والتكرار والتواصل،وهذا يؤثر قطعاً في مشاعر الإنسان وبالتالي مواقفه، وردودأفعاله، ثم في مفاهيمه بالتالي في سلوكه. و لهذا نقول أن الإعلام قد استلم الدور الأكبر لتشكيل السلوك الإنساني انطلاقا مما يقدمه من معلومات و مواقف يصوغها بشكل يخدم توجه من يقف وراءه من سياسيين وذلك لعدم تمتع هذه المجتمعات بأهلية سياسية أو إعلامية مما تسبب في اضافة وسيلة إعلامية جديدة لوسائل الاعلام المعروفة كوسيلة الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئي والالكتروني لتأتي (وسيلة المواطن) وهوالمواطن الذي استهلك اللغة وأعاد انتاجها كلغة إعلامية.
فالإعلام ككُل هو مجموعة مثيرات كالمثير الاعلى والاسرع والراسخ والمتلقي يعمل على إعادة ترشيح هذه المثيرات وفقاً للمثير الراسخ، وهذا مااستخدمته وسائل الاعلام الموجهة للسيطرة على تفكيرنا وعقولنا لتطويعنا لخدمة اهدافه. كما ولم تترك الاخيرة استخدام عملية التجهيل وكي الوعي وتنميط عقله وتحويله لشخصية أحادية التفكير، ثم بعد ذلك بنت على ذلك وعيه الجديد وفق استراتيجياتها الاقتصادية والفكرية والسياسية، فتحولت أغلب المجتمعات العربية تحت ضربات الحداثة والعلمنة إلى مجتمعات استهلاكية شبيهة في نمط معيشتها بالمجتمعات الغربية، بعد أن كرس الاعلام ثقافة الانهزام النفسي في وعي العربي وكرست غلبة الغرب في كل شيء كفهم قهري غير قابل للنقاش لذلك لعب الاعلام المرئي دوراً كبيراً جداً في إحداث بلبة مفاهيمية من جهة ومذهبية من جهة أخرى ساند بها الهيمنة على العقول، وعسكرتها مذهبياً حجباً للمعرفة وتكريساً للفرقة وتضخيماً للصراعِ وصناعة للوهم عن طريق اختلاق أعداء وهميين وتوجيه السلاح باتجاهات مغايرة للواقع وليست باتجاه العدو الحقيقي.
لقد استشرف الفيلسوف الانكليزي (فرانسيس بيكون) المستقبل قبيل انكشافه، حين دعا إلى نوع جديد من العلم لايكون هدفه إرضاء طموح العقل البشري نظرياً فقط بل هدفه تحقيق سيطرة الإنسان على الطبيعة للوصول إلى مزيد من التحكم في العالم الخارجي، ليظهر المجتمع التجاري ثم الرأسمالي والاحتياجات التكنولوجية الهائلة التي قلصت قوى التفكير والإبداع لتقتصر على نُخبٍرأسمالية تمتلك مفاتيح الأمور الاقتصادية وصناعة القرارات السياسية، وبدأت عمليات تحول الإنسان الماهر الذي يقوم بتطوير خبرته بطرق تكاملية بين الممارسة والخبرة إلى كائن يسعى لتسويق ذاته كي يقوم بتغطية حاجاته الوهمية التي صنعها له الرأسماليين ضمن خطة الهيمنة على الطبيعة ليخلق حاجات وهمية تم تحويلها إلى ضروريات، عندها فقط لجأ للهيمنة على الإعلام ليلعب دوراً بارزاً في إدارة معارك العقل والوعي أثناء الحروب. وسنتناول دور الإعلام في صياغة التجهيل وتسويقه عن طريق وسائل الاتصال.
يقول بعض الحكماء:"إن من قدرات الإنسان ومميزاته هو أنَّه يتمكن من التوجه والانتباه إلى علمه وجهله فيعلم بأنه يعلم ويعلم بأنه لايعلم".
المعروف أن الإنسان الذي يعلم أَنه لايعلم الشيء قد اكتسب نصف العلم وهو العلم بجهله وبقي النصف الآخر وهوالعلم بالشيء المجهول وبإمكانه الوصول إلى العلم الثاني في ضوء حسن الاستفسار والسؤال، وهذا يقودنا إلى أن معرفة الجهل لاتتيسر إلاعن طريق العلم والجهل البسيط هو أن يجهل الشيء وهو عالم بجهله فيما يعرف التجهيل هو حمل الشخص عمداً ودون أن يعلم على الجهل بالشيء وتصديقه وهو مخالف للواقع وهو لايعلم بجهله.
بدأ التجهيل عن طريق الإعلام في العالم في عام 1916 أثناء فترة إدارة الرئيس ويلسون ضمن برنامج انتخابي موسوم بـ "سلام دون نصر" في منتصف الحرب العالمية الأولى تولى هذا البرنامج صناعة توجيه وإدارةالرأي العام، من خلال قيام الإدارةالأمريكيةبإنشاء لجنة للدعاية الحكومية سميت بلجنة (كريل) ذلك أنَّ رئيسها هو الصحفي –جورج كريل- وكان دورها يقوم على تحويل المواطنين المسالمين إلى مواطنين يرغبون بخوض الحرب وتدمير الألمان، ونجحت في تحقيق هذا الدور بتحقيق هذا الدور مع الأمريكيين3 في مدة ستة أشهر.
فيما أطلق الصحفي والمفكر الأمريكي ولتر ليبمان 1988-1974 تسمية (القطيع الضال و الحائر) ومعلقاً بأن له وظيفتين أساسيتين في النظام الديمقراطي أولها: هم مشاهدين لامشاركين في الفعل والثانية: المشاركة في الانتخابات.
نلاحظ أَن التجهيل استمد وجوده عن طريق الإعلام ليمسي الأخير لسان حال الحكومات واللاعب الرئيس في عملية التجهيل عن طريق تغييب الحقائق عمداً وخلع ثوب الحياد ليتم نسف الموضوعية بالإعلام لمروره بعمليات التصنيع السياسي.
وتقول الصحفية جورجينا كينيون إن فكرة "نشر الجهل بتعمد" يروج لها تحت قناع الجدل والنقاش المتوازن في ضوء عبارة "لايتفق الخبراء حول هذا الرأي" ممايخلق صورة مزيفة للحقيقة، وبالتالي انتشار الجهل مثلماحصل في تزوير صناعة التبغ للحقائق المتعلقة بالسرطان والتدخين حين سُرِبَتْ مذكرة سرية من شركات التبغ إلى الجمهور والتي كتبتها شركة براون آندويليامسون للتبغ حملت عنوان "الاقتراح المتعلق بالتدخين والصحة"، وكشفت المذكرة السرية عن عدد من التكتيكات والأساليب التي تتبعها شركات التبغ الكبيرة لمواجهة من يحاول مناهضة التدخين، وتعرضت في إحدى صفحاتها لكيفية تسويق السجائر للجمهور بالقول (الشك هو وسيلتنا الفضلى لمواجهة الحقائق التي تسكن عقول الجمهور، وهو أيضاً وسيلة لإثارة البلبلة)، ويقول بروكتور:“باتت هذه المذكرة المثال الأوضح لتطبيق فكرة نشر الجهل بتعمدوالجهل ليس عدم المعرفة بل حيلة سياسية، وإستراتيجية متعمدة من قبل ذوي السلطة الذين يريدون لك "ألا تعرف"”.


تجهيل الانسان العراقي، العراق ،الخطاب الاعلامي العراقي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع