مدونة أ.د طارق الصادق عبد السلام الصادق
الاعمال بدوافعها الداخلية الذاتية
أ.د طارق الصادق عبد السلام الصادق | prof-tarig elsadig abd alsalam
11/10/2020 القراءات: 2537
عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"
فما هي النيات وما مفهوما وصفتها، النيات هنا هي الدافع الداخلي للفعل The internal motivation for the action سواء كان الفعل الاجتماعي او السلوك الانساني عموما اي كان نوعه وهي التي تجعل الفاعل يقوم بهذا الفعل حقيقة دون التعويل على الفعل الظاهري الذي يبدو للناس اي ليس بالضرورة دائما ان يكون الفعل الظاهر للناس او حتى الحديث هو انعكاس حقيقي للدافع الاصلي له. فقد تاتي بفعل في ظاهر يعبر عن شيئ معلوم للناس لكن مقصدك ودافعك الداخلي هو في اتجاه اخر وقد يكون مغايرا تماما لما يبدو في الظاهر لذا من المهم جدا لتحليل الفعل الاجتماعي ان يتم الغوص في ما خلف هذا الفعل والدافع له والذي يمكن تمظهره في اسقاطات تنفلت من الفاعل وتعطي مؤشرات لحقيقة الدافع المستبطن وراء هذا الفعل وهذا الامر من الصعوبة بمكان.
فمفهوم الدافعية هي ما يحض الأفراد على القيام بأنشطة سلوكية معينة ، وتوجيه تلك الأنشطة وجهة معينة ، فالفرد يسلك سلوكاً معيناً لينتج عن هذا السلوك نتائج أو عواقب تشبع بعض حاجاته ورغباته.
ونحن لا نستطيع رؤية الدافعية بصورة مباشرة ، الا أنّها تشكل مفهوما اساسيا نستطيع معرفته عن طريق سلوك الأفراد وملاحظة البيئة التربوية التي يجري فيها هذا السلوك.
١-دوافع بيولوجية Biological وهي دوافع ناتجة عن حاجات فسيولوجية كالجوع ، والعطش ، والجنس ، والراحة ، والنوم.
٢-دوافع اجتماعية Motives Social وهي الناتجة عن التفاعل مع البيئة الاجتماعية كالحاجة إلى الانتماء ، والأمن ، والإنجاز ، وتقدير الذات ، وتحقيق الذات
٣-دوافع ذاتية تتعلق بنفس الفاعل نفسه فالنفس تتراوح بين نفس فاجرة ونفس لوامة ونفس مطمئنة وبينهما درجات.
فالفعل صورة للسلوك الإنساني الذي يشتمل على الإتجاه الداخلي أو الخارجي الذي يكون معبراً عنه بواسطة الفعل أو الإحجام عن الفعل، إنه يكون الفعل عندما يخصص الفرد معنى ذاتياً معيناً لسلوكه، والفعل يصبح اجتماعياً عندما يرتبط المعنى الذاتي المعطي لهذا الفعل بواسطة الفرد بسلوك الأفراد الآخرين ويكون موجهاً نحو سلوكهم." ووفقاً لمنظور فيبر وتعريفه للفعل الاجتماعي لابد من فهم السلوك الاجتماعي أو الظواهر الاجتماعية على مستويين، المستوى الأول أن نفهم الفعل الاجتماعي على مستوى المعنى للأفراد أنفسهم، أما المستوى الثاني فهو أن نفهم هذا الفعل الاجتماعي على المستوى الجمعي بين جماعات الأفراد. ولكي نفهم عمل الفرد وأفعاله أو سلوكه الاجتماعي على مستوى المعنى لابد من النظر إلى دوافع الفرد ونواياه واهتماماته والمعاني الذاتية التي يعطيها لأفعاله والتي لم تكمن خلف سلوكه، أي أنه لابد من فهم معنى الفعل أو السلوك على المستوى الفردي ومن وجهة نظر الفرد نفسه صاحب هذا السلوك وبنفس الطريقة لابد من النظر إلى النوايا والدوافع والأسباب والاهتمامات التي تكمن وراء سلوك الجماعة التي يعتبر الفرد عضواً فيها. أي أنه لابد من فهم الفعل الاجتماعي على المستوى الجمعي ومن وجهة نظر الفرد كعضو في جماعة. إذاً لابد لنا من أخذ هذين المستويين في الاعتبار عند دراستنا وتحليلنا لفهم وتفسير الفعل الاجتماعي الإنساني للفرد سواء من خلال مواجهته للظواهر الاجتماعية بنفسه أو من خلال مشاركته للجماعات الاجتماعية التي ينتمي إليها.
وعليه فمفهوم النيات مفهوم خطير جدا واذا اختلفت النية عن الفعل عندها قد يتدرج الامر من قضية الرياء الى قضية الشركة نفسه، فربما فاعل لفعل يبطن دافع غير المعلوم قد يورده موراد الشرك وبين هذا وذاك درجات.
وقد بين الرسول ﷺ جانبا من هذا في الحديث آنف الذكر من ان هناك افعال تفعل وهي جيدة ومرغوب فيها وجانبا منها مامور به الا ان دوافع فاعليها الحقيقية اي الدافعية الذاتية للفعل مغايرة لها وقد مثّل لها بالذي كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ وبذا بين كل ماقلناه عن الدافعية وكل ما أتى فلاسفة العصر الحديث عنها وعلى راسهم ماكس فيبر، فالرسول ﷺ قد أوتي جوامع الكلم وهو ينطق عن وحي كريم لذا جمع ما كنا ندندن حوله منذ بداية ما نكتب فيه هذا وما ظل يكتب عن هذه القضية.
وكثير من الافعال الصالحة نراها اليوم وخلفها دوافع لا يعلم بها الا الله تعالى ونساله ان يطابق عملنا كله في كافة النواحي دوافعنا الداخلية.
وهذا يقودنا الى ان بعض الناس فهم الامر ان النية هي امر قولي. كان تقول نويت ان افعل كذا، وهذا قد يكون مطلوب احيانا لكن الاهم منه الدافع الداخلي الذي يدفعك لفعل الامر اي النية الداخلية التي جعلتك تشرع في فعل الفعل، فتصور مثلا شخصا قام من نومه فجرا وتجهز لصلاة الفجر مع حاكم او وزير او غيرهم من اهل السلطان لغرض له عنده وقطع المسافات ليبلغه ووقف في الصلاة وقال نويت ان صلاة الصبح حاضرة أهذه هي النية. واخر قام من فراشه قبيل الفجر واغتسل وتطيب ولبس حلة زاهية وذهب الى المسجد ليس في قلبه الا أداء الصلاة ولم ينطق بما قال السابق.
الحديث يبين ان القول مع مطابقة الفعل ومخالفة النية الداخلية والدافع الاصلي لايعتد بهم. فهذا قد قال وخرج فعلا للجهاد وجاهدا مصداقا لقوله لكن الدافعية الداخلية ليس لها علاقة بهذا وكذلك فعل المهاجر.
الدوافع الداخلية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع