مدونة مسعد عامر سيدون المهري


أثر الآداب الإسلامية في الآداب الأوربية : (1 )

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


10/02/2021 القراءات: 1149  


يعتبر الأدب المقارن من الدراسات الحديثة التي نشأت عند الأوربيين في وقت متأخر ,وبدأت تنال مكانتها من الدراسات الشرقية عند غيرهم من الأمم, وهكذا تطورت ونمت مثل هذه العلوم حيث أقبل عليه الباحثون والدارسون, حقيقة يعتبر الأدب المقارن دراسة أوربية النشأة , يهتم بالأحداث التاريخية والعلاقات الاجتماعية و أصدائها في آدابهم , ودراسة علاقة الأدب الأوربي بغيره من الآداب , المجاورة له والقريبة منه , وتأثره بها. ومن غير شك أن الأدب الإسلامي يمثل مرحلة مهمة من مراحل التطور الأدبي في فترة من الفترات حيث كان هو الأدب الذي تطورت فنونه ونمى فكره, فقد كانت الحضارة الإسلامية في تلك الفترة مصدر إشعاع في عدد من العواصم الإسلامية كالقاهرة وبغداد وقرطبة وغيرها , وكانت الأندلس وحدها عاصمة الدنيا في تلك الفترة يقصدها العلماء وطلبة العلم والمفكرين والباحثين والفلاسفة والشعراء, فقد كانت قبلة يؤمها من تتوق نفسه للعلم والمعرفة والفلسفة والحكمة , واشتهر بها عدد كبير من العلماء والفلاسفة والشعراء الذين طبقت الدنيا شهرتهم وشغلوا الناس بعلومهم وفنونهم . هذا في حين كانت أوربا غارقة في ظلام الجهل والتخلف . وهذا الأمر يشهد له المؤرخون العرب والمنصفون من الكتاب الغربيين . ومن غير شك أيضا أن تكون الأندلس نقطة الانطلاقة لعملية التأثر والتأثير بين الأدب العربي والآداب الأوربية, وهو ما عرف الأوربيين على فنون جديدة لم تكن معروفة لديهم وأطلعهم على نماذج أدبية زرعت فيهم الثقة والرغبة إلى محاكاتها ومجارتها والتأثر بها . وأول ما يمكن من رصد لأثر الأدب الإسلامي في الآداب الأوربية , هو أثر الشعر الأندلسي في الشعر الأوربي الحديث, حيث إن هذه المسألة من المسائل التي تشغل بال كثير من الباحثين لاسيما وإنه كل يوم تضاف مادة جديدة لتؤكد هذا التأثير . ويتمثل التأثير في الموشحات الأندلسية؛ ولاسيما في الخرجة التي هي جزء من الموشح, حيث أن الخرجة تكتب عادة بلغة أجنبية، وإذا ما جعل من الخرجة أبياتا أسبانية كانت بمثابة النموذج الأول للشعر الاسباني, وحين ننظر إلى أصل الموشح الأندلسي وبداية ابتداعه يرجح الباحثون أن أول من ابتكر الموشح هو مقدم بن معافي القبري الضرير الذي عاش سنة 255ه وسنة 299ه، ولم يبق من موشحاته شيء، ثم تلاه شعراء كثيرون ساروا على نهجه, والموشح نظم وصفه ابن خلدون بالسهولة وقرب الطريقة، وعلل أخذ كثير من شعراء الأندلس لهذا السبب ( لسهولة تناوله وقرب طريقته ), ومن الشعراء الذين أجادوا نظمه ابن عبد ربه الأندلسي صاحب العقد الفريد, وابن عبادة القزاز وأبوبكر بن اللبانة الداني, وابن زهر الطبيب, وابن سهل الإسرائيلي, ولسان الدين الخطيب. ولعل من أشهر الموشحات موشحه لسان الدين الخطيب التي منها : جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس وإلى جانب الموشح نشأ الزجل باللغة المستعملة في الأندلس مع مزجها باللغة الاسبانية الدراجة, ومن أوائل من نظموا الأزجال سعيد بن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة 341 ه, وهو ابن عم صاحب العقد الفريد، وكان من المنشغلين بعلوم الأوائل كالفلسفة ونحوها, وبعده أبو يوسف هارون الرمادي شاعر المنصور, وأما ابرز الزجالين فهو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن قزمان ولد في قرطبة 460 ه , وتوفي سنة 554 ه . وهذان اللونان من النظم اللذان أبتكرهما أهل الأندلس؛ هما اللذان أثرّا في نشأةِ الشَّعر الأُوربي , و أوّلُ مِن قالَ بِهذه النظرية هو خليان ريبيرا المستشرق الإسباني الذي عكف على دراسة موسيقى الاسبانية في العصور الوسطى، كما ترد في دواوين الشعر (التروبادور ) و( الثروفير ) وهم الشعراء الجوالة في العصر الوسيط في أوربا , والمنيسنجر وهم شعراء الغرام, وأنهى من هذه الدراسات المستفيضة هذه أن الموشح والزجل هما المفتاح العجيب الذي يكشف لنا عن سرِّ تكوين القوالب التي صُبّت فيها الطُرزُ الشّعريةُ التي ظهرت في العالم المتحضر إبان العصر الوسيط .


الأدب- المقارن -الإسلامي - الأدب الغربي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


كما أثبت انتقال الشعر الأندلسي فضلا عن الموسيقى العربية إلى أوربا عن نفس الطريق الذي انتقلت به الكثير من علوم القدماء والأندلس ومن ثم إلى بقية أوربا . وذلك أن الشعراء التروبادور البروفنساليين الأوائل استخدموا أقدم قوالب الزجل الأندلسي, كما يظهر في شعر أو شاعر تروبادور برفنسالي وهو جيوم التاسع دوق اكيتانيا وهو يعد أول شاعر في اللغات الأوربية الحديثة . أما في أسبانيا فقد ظلت نماذج وأنماط النظم على طريقة الأزجال العربية التي يستخدمها الشعراء المتعلمون مثل الفونس الحكيم في القرن الثالث عشر، ورئيس القساوسة هيتا في القرن الرابع عشر , وخوان دل أنثينا في القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر . ولم يقتصر الأمر على طريقة النظم بل تعدى ذلك إلى طريقة معالجة الموضوعات, ففكرة الحب النبيل التي تسود في الشعر البرفنسالي وجد أن أصلها في الشهر الأندلسي, بل في أشعار ابن قزمان كما أكده مندث بيدال وهو يعد من أشد الباحثين حماسة في توكيد تأثير الشعر العربي الموشح والزجل في نشأة الشعر الأوربي في نهاية العصر الوسيط .