الإمام محمد البشير الإبراهيمي
29/06/2020 القراءات: 4341
من أهم االملتقيات التي عقدت بالجزائر ملتقى الشيخ البشير الإبراهيمي، بقصر الثقافة، بالجزائر يومي 13و14ربيع الثاني1426ه، الموافق 22-23 مايو2005م والكتاب جمعت محاضراته وطبعته دار الغرب الاسلامي ، و حضره كثير من العلماء وكان مميزا، كما وصفه الأخ الحبيب الدكتورمحمد الهادي الحسني أحد منظمي الملتقى فقال: موضوعه عن رجل ليس كالرجال ، وعالم ليس كأحد العلماء؛ فقد جمع الابراهيمي إلى شرف العلم مجد العمل، والعمل الكثير، والإخلاص الكبير، ولو قدر له أن يكون في غير هذه البلاد لرفع مكانا علّْيا في الحياة، ولخلد تخليدا بعد الممات، وكنت أفهم سر هذه الكلمات لأن المؤتمر عقد بشق الأنفس، وأما الجهة التي دعت إلى الملتقى فكانت جمعية العلماء المسلمين، التي جددت للجزائريين دينهم الصحيح، وأعادت إليهم لسانهم العربي الفصيح، وأما المحاضرين فمن مختلف التخصصات والتوجهات ، وكان من بين الحاضرين نجل الشيخ الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، و المرحوم أبو القاسم سعد الله ، والذي كان له جولات وصولات مع الشيخ البشير الابراهيمي في القاهرة، وقد تحدث عن الثقافة التاريخية في أثار الشيخ البشير الإبراهيمي، لكن الذي شد انتباهي هو أن أمنية الشيخ البشير الإبراهيمي قد تحققت في أبو القاسم سعد الله ، فقد تمنى الإبراهيمي أن يقيض الله للجزائر مؤرخا من أبنائها تتوفر فيه مميزات :أن يكون مستنير البصيرة، مسدد الفكر والتعليم، صحيح الاستنتاج، سديد الملاحظة، فقيها في ربط الأسباب بالمسببات، وقد جسد هذا الدور بامتياز، في إحياء التراث و كتابة التاريخ الجزائري.كان من بين الحاضرين، الأستاذ الدكتور عبد الملك مرتاض الذي قبض قبضة من أثر لغة الإبراهيمي، فتكلم عن أمير البيان ؛ كرائم اللغة وفصاحة اللسان، ومما قاله في حق الرجل منتقدا الغياب الذي شابه منذ أربعين سنة ولم يطلق اسمه على جامعة من الجامعات، وقد وددنا لو أن هذا الرجل نزل منزلته الفكرية في حياتنا العامة،لأن في تبوئته ذلك إنما هو تبوئة لمنزلة شعبنا بين الشعوب وموقعته بين التاريخ، فليس الرجال العظماء قطع غيار تتلف فنعوضها بأصنائها، ونبدلها بأمثالها، ولكنها فلتات من الدهر لا تمثل في التاريخ إلا لماما و سنحات من الزمن، مما ميز كتابته كرقي الألفاظ والمعاني والأساليب " معرض العربية الراقية" وقد يكون أول من أطلق صفة "الكرائم" على اللغة العربية، استعمل أيضا لفظ "المأنوس" و هذا المصطلح في قواميس اللغة العربية غير وارد بالمعنى الذي أصطنعه هو فيه، وهو ما جعله على حد تعبير عبد المالك مرتاض، يهمل الكتابات الرديئة في جريدة البصائر المدرسة الأدبية التي نالت إعجاب المشارقة والمغاربة على السواء، لدرجة أنهم كانوا يحفظون نصوصا من مقلات الإبراهيمي ومن ذلك، ومن أجمل الكلمات
اجعل لنا في كل غاشية من الفتنة رِدْءاً من السكينة؛
وفي كل داهمة من البلاء درعا من الصبر؛
وفي كل داجية من الشك علما من اليقين؛
وفي كل نازلة من الفزع واقية من الثبات؛
وفي كل ناجمة من الضلال نورا من الهداية اليقين.
و كتب يرثي رفيق الدرب الشيخ ابن باديس وسماها مناجاة مبتورة لدواعي الضرورة، قائلا:
يا قبر، قد فصل بيننا وبينك خطّ التواء، لا خطّ استواء، فالقريب منك والبعيد على السواء.
يا قبر، أتدري من حويت؟ وعلى أي الجواهر احتويت؟ إنك احتويت على أمّة، في رُمّة، وعلى عالم في واحد.
يا قبر، أيدري من خطّك، وقارب شطّك، أيّ بحر ستضُم حافتاك؟ وأيّ معدن ستزن كفتاك؟ وأيّ ضرغامة غاب ستحتبل كفتاك؟ وأيّ شيخ كشيخك وأيّ فتى كفتاك؟ فويح الحافرين ماذا أودعوا فيك حين أودعوا؟ وويحَ المشيّعين من ذا شيّعوا إليك يوم شيّعوا؟ ومن ذا ودّعوا منك إذ ودّعوا؟ إنهم لا يدرون أنهم أودعوا بنَّاء أجيال في حفرة، وودّعوا عامر أعمال بقفرة، وشيّعوا خدن أسفار، وطليعة استنفار، إلى آخر سفرة. قولا لصاحب القبر عني: يا ساكنَ الضريح، نجوى نضو طليح، صادرة عن جفن قريح، وخافق بين الضلوع جريح، يتأوبه في كل لحظة خيالك وذكراك، فيحملان إليه على أجنحة الخيال من مسراك، اللهب والريح، وتؤدّي عنهما شؤونه المنسربة، وشجونه الملتهبة، وعليهما شهادة التجريح.
إن من تركت وراك، لم يحمد الكرى فهل حمدت كراك؟ وهيهات، ما عان كمستريح!
إن الإبراهيمي كان بالفعل أميرا للبيان.
لقد تحدث الحاضرون عن مناقب الشيخ البشير الإبراهيمي، وأثاره في السياسة والفكر والإصلاح و لما جاءت فترة التوصيات اقترح أحد العلماء الأجلاء، أن يعقد مؤتمر لخمس نوات القادمة عن الشيخ الرئيس الإمام ابن باديس، وقام الثاني فقال أنا مع الاقتراح قلبا وقالبا إلا في نقطة أن يكون الملتقى بعد عام ، فقام ثالث وهو من لبنان فقال أيا كان المقترح، فسيكون المؤتمر على نفقتي الخاصة،
وفي ذلك دليل على حب الناس للشيخ البشير الإبراهيمي، كان هذا الحديث منذ 15 سنة خلت ولا يمكن أن أختم هذا الحديث دون الإشارة إلى اهتمام الشيخ بقضايا العالم الغربي والعربي الاسلامي على حد سواء، لكن القضية التي اسالت حبر الأبراهيمي كثيرا هي فلسطين ونالت حظها في جريدة البصائر سلسلة فلسطين حوالي 09 مقالات نقتطف منا هذه الكلمات:
فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير؛ وفي عُنق كل مسلم جزائري لك- يا فلسطين- حقٌ واجبُ الأداء، وذمام متأكِّد الرعاية، يا فلسطين! إذا كان حب الأوطان من أثر الهواء والتراب، والمآرب التي يقضيها الشباب، فإنّ هوى المسلم لك أن فيك أولى القبلتين، وأنّ فيك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله
ولم يجد ما يتبرع به الإبراهيمي إلا مكتبة متواضعة: هي كل ما يرثه الوارث عني، وإنني أضعُها خالصًا مخلصًا، بكتبها وخزائنها تحت تصرّف اللجنة التي تُشكَّل لإمداد فلسطين، ولا أستثني منها إلا نسخةً من المصحف للتلاوة، ونسخة من كل من الصحيحين للدراسة.
رحم الله شيخ البشير الإبراهيمي فلقد كان "فخر علماء الجزائر" كما وصفه ابن باديس، والمصلح المجدد ومفخرة علماء الاسلام كما وصفه الزعيم التونسي محي الدين
رحم الله الإمام الابراهيمي ورضي عنه جزاء ما قال وما عمل
البشير، مرتاض،
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
وهكذا علماء الامة الافذاذ.. بموتهم ننكر قلوبنا.. وتنتقص الارض من اطرافها.. وكما ورد في الاثر :( إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا.. فافتوا بغير علم، فضلوا واضلوا. )او كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام. جزاك الله خيرا فقد عرفتنا على جهبذ من جهابذة علماء الجزائر ارض العلم والعلماء والشهداء.