مدونة د. سمير سليمان عبد الجمل


الاحتراق الوظيفي في الوزارات الفلسطينية ظاهرة طبيعية أو خلل تنظيمي

أ.د.سمير سليمان عبد الجمل | Prof. Dr. Sameer Suleiman Abed Aljamal


26/07/2021 القراءات: 3456  


الاحتراق الوظيفي في الوزارات الفلسطينية ظاهرة طبيعية أو خلل تنظيمي

بقلم: دكتور. سمير سليمان الجمل

إن الحكومات التى تسعى إلى تحقيق الرفاهية والازدهار لكافة طبقات المجتمع تعمل بكل طاقاتها ومواردها على تطوير قطاع التربية والتعليم.
إن تطوير هذا القطاع ونموه وازدهار هو أساس نمو الحضارات وازدهارا ذاك لأن المعلم صانع النشء ومربي الأجيال هو الأساس في بناء كافة القطاعات الأخرى المكملة للمجتمع، فمن علم المهندس والطبيب والمحامي والقاضي والعالم وغيرها من الوظائف والمناصب هو المعلم، وجميع المسؤولين يدركون ذلك قولاً لا فعلاً فبالأقوال وفي الخطابات وفي المنابر نسمع المديح والثناء والشكر للمعلم، وفي الرفاهية والنمو والتطور نجد العكس تماماً.
لقد أثبتت جميع الدراسات والأبحاث التربوية والإدارية أن المورد البشري عنصر مهم ورئيسي في العملية الانناجية، ولا يقل دوره أهمية في العملية الخدمية، وحتى نحافظ على هذا المورد البشري يجب أن نعمل جاهدين على تنميته وتطويره من حيث الراتب والرفاهية وسيره في مسار وظيفي واضح يكفل له كل وسائل العيش الرغيد.
إن التربية والتعليم هي عملية تكاملية وليست جزئية كما عمل على شرذمتها أصحاب المصالح والأجندات الشخصية الذين أوجدوا الطبقات في وزارة يقودها وزير واحد. فأركان العملية التعليمية لا تقتصر على المعلم فقط لأن المعلم هو ركن من أربعة أركان رئيسة هي الطالب والبيئة المدرسية والمنهاج المدرسي، ومن يقوم بالتخطيط والتنظيم والمتابعة لتلك الأركان الرئيسية هم الإداريون العاملون في وزارة التربية والتعليم ومكاتبها وبذلك تصبح العملية التعليمية تتكون من خمسة أركان رئيسية هي:
- الطالب: محور العملية.
-المعلم : ناقل المعرفة ومنظمها.
- البيئة المدرسية : موفرة الأمن والاستقرار والراحة النفسية للطالب.
-المنهاج المدرسي: حاوي المعرفة.
- الاداريون : مخططي الخدمة ومنظميها للأركان الأربعة الأولى.
إن هذا خير دليل عن أن التقسيم الذي حدث في وزارة التربية والتعليم هو تقسيم فاشل لا يستند إلى أي نظرية علمية بل استند إلى تحقيق أجندات شخصية حققت مصالح أشخاص وأوجدت الشرذمة وعدم الرضا الوظيفي بين طبقات العاملين في الوزارة ومديرياتها وبين المعلمين.
وما زاد الطين بلة أن الوزارة قد سلمت بهذا الأمر ووافقت عليه معللة ذلك بأنها سوف تسعى جاهدة لتحصيل حقوق الآخرين متناسين أن القرارات التي تتعلق بمصير العاملين لا تجتزأ ويجب أن تحصل دفعة واحدة لأن القرار الناقص وغير الصائب يؤدي إلى مناهضة القرار ومقاومته، كما يؤدي إلى انعدام الرضا الوظيفي والولاء التنظيمي.
وفي تبرير آخر من قبل الحكومة أن العدد الكبير للعاملين في قطاع التربية والتعليم لا يتيح تحسين رواتبهم ولا ترقيتهم، وهذا تبرير غير منطقي ويؤدي إلى:
-حرمان العاملين في قطاع التربية والتعليم من زيادات معقولة على رواتبهم تحقق لهم الأمن والاستقرار والرفاهية المرجوة للسير قدما نحو تطوير هذا القطاع، ما دمنا اتفقنا على أن التربية والتعليم هي أساس بناء المجتمع.
- الرسوب الوظيفي لعدد كبير من العاملين في هذا القطاع بسبب قلة الموارد المالية المزعومة، وهذا بدوره يؤدي أيضا إلى انعدام الرضا الوظيفي وضعف الولاء التنظيمي وزيادة الاحتراق الوظيفي مما يؤدي إلى انحراف البوصلة عن تحقيق الهدف المنشود.

إن هذا الإدعاءات من الحكومة وهذا التقصير من وزارة التربية والتعليم غير مبرر، فهناك العديد من الوظائف التي يعادل راتبها راتب أربعة أو خمسة أشخاص من العاملين في قطاع التربية والتعليم، أي بنسبة 1:5 ، فأين العدالة في ذلك ؟ وأين هو شح الموارد المالية ؟
مقارنة أخرى وجب على معالي وزير التربية والتعليم العالي معالجتها والنظر إليها بما أنه وزيرا للتربية والتعليم العالي فلماذا هناك فارق شاسع وكبير بين من يعمل في التربية والتعليم وبين من يعمل في التعليم العالي بنفس الدرجة وبنفس المؤهلات العلمية، فأين العدالة في ذلك ؟ رغم أن من يتقاضى راتباً أقل يحمل عبئاً وظيفيا يفوق بكثير صاحب الراتب الأعلى.
أعلم أن الإجابة ستكون دبلوماسية وأن القانون لا يسمح بذلك، ولكن القوانين مرنة وتتغير وتتبدل وفقا لاحتياجات الجمهور، فما الضير والضرر في تعديلها وفق احتياجات الجمهور وتحقيق العدالة على الجميع .
في كل مرة تتم فيها المطالبة بتحصيل الحقوق وتحقيق العدالة تختلق الذرائع والحجج، فتارة الوظيفة لا تسمح وتارة أخرى المؤهل لا يسمح ومرة ثالثة الموازنة لا تكفي، وغيرها الكثير الكثير، وحتى نضمن العدالة والشفافية في ذلك، هناك العديد من المقترحات التي يمكن أن يتم السير بها، وهي:
1. أن يتم منح الرواتب والعلاوات بين كافة الوظائف على أساس المؤهل العلمي أو على أساس المركز الوظيفي أيهما أعلى.
2. إذا تعذر تنفيذ البند الأول يتم منح تدوير ونقل العاملين وفق مؤهلاتهم العلمية ليتم منحهم العلاوات الملاءمة وفق مؤهلاتهم.
3. توضيح المسار الوظيفي التخلص من الرسوب الوظيفي للعاملين بغض النظر عن توفر الشاغر أم لا، مما يعزز الرضا ويقلل الاحتراق الوظيفي.
4. إعادة هيكلة سلم الرواتب المعمول به بحيث يتلاءم مع احتياجات العصر ويحقق العدالة بين كافة الشرائح الوظيفية.
5.أن يتم تولي المناصب والمراكز القيادية في المؤسسة بطريقة دورية كما هو معمول به في الجامعات الفلسطينية بحيث تتم عملية التغيير والتبديل كل سنتين أو ثلاث سنوات.
6.فتح المسار الوظيفي للعاملين حسب مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم الوظيفية ومبادراتهم الإبداعية.

إن هذه المقترحات من وجهة نظري تعزز الرضا الوظيفي وتزيد من الولاء التنظيمي وتقلل من الاحتراق الوظيفي وتقلص من الصراعات التنظيمية السائدة بين العاملين في الوظائف الحكومية.

ومعا وسويا نحو بناء دولة المؤسسات.......


الاحتراق الوظيفي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع