مدونة محمد تقي بن رحيم الدين


يومان عِلميّان في المَنامة

محمد تقي بن رحيم الدين | Mohammad Taqi


03/01/2025 القراءات: 20  


كتبتُ في يوميّة ثاني ذي القعدة من 1445:

قضيتُ الأسبوعَ الماضي (نهاية شوال 1445) في رحلة علميّة قصيرة، برعاية فضيلة الوالد حفظه الله ورفْقته الكريمة، وسبق أن حصلت في هذا العام رحلاتٌ إلى الحرمين والقاهرة وكراتشي وغيرها، ولم أجد وقتًا لتدوين فوائدها، أما هذه فأقصرُ الرّحلات زمنًا وأقلُّها نشاطًا، فهانت على النفس كتابةُ سطور عن حصائلها بإيجاز، والله وليُّ النّفع بها والإفادة:

🌴عن مؤتمر أيوفي:
سافرْنا إلى البحرين لمشاركة المؤتمر السّنويّ للهيئات الشرعية لأيوفي -هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة- (19-20 شوال) في المنامة، على دعوة خاصّة منهم، وكان مؤتمرًا حافلًا صورةً ومعنى، وكأنّ شيئًا من رُوح المَجامع الفقهية البارزة انتقل إلى هذا المُلتقى في الآونة الأخيرة، فعوّضَ شيئًا مّا عن تراجُع الحراك الفقهيّ عمومًا.
وقد لمَسْنا في القائمين بالمؤتمر روحَ الجِدّ والاجتهاد، والتعاونِ والتكاتف، مما يُبشّرُ بمُستقبَلٍ كريم في مجال الصّيرفة الإسلاميّة.
وكان من السّعادة الالتقاءُ -والمُجالسة والمؤاكلة- مع عددٍ من جِلّة أهل العلم، ممن أثروا المجامع الفقهيّة -وعلى رأسها مجمع الفقه الإسلاميّ بجدّة- طيلةَ نصف قرنٍ من الزمن.
وبصرْف النّظر عن أشغال المؤتمر، أضعُ هنا عدّة انطباعاتٍ متعلّقة، ذكرتُها لرفقتي من طلّاب العلم، وهي موجّهة إلى طلبة الفقه خصوصًا:
1- «المَعايير» له فقهٌ مستقلٌّ ينبغي مراجعةُ أُسُسه بإتقان، فهو فقهٌ عالميٌّ له مزاجُه الخاصّ، وفيه تلفيقٌ أنيقٌ بين المذاهب الفقهيّة، مُتأسّسٌ على قواعد الشريعة وأصول الفتيا المقرّرة، وهو من تجلّيات المرونة المذهبيّة المُنضبطة.
2- يُلاحظ أُسوةُ «المَعايير» في نقاط حسّاسة، هي مُعتَرَك العمل الفقهيّ المنشود في هذا العصر، مثلُ: جمْعِ الآراء الاجتهاديّة في النّوازل ونَخْلِها والرّقابةِ عليها، وبالتالي: دفع الفتاوي الشاذّة إلى حدٍّ كبير، وما يتّسمُ به «المعايير» من قانونيّة الصّياغة بشكل مَرِنٍ جدًّا، وما يُقاربُه من الوصول إلى مرحلة التهيئة الكلّيّة للتطبيق، التي لا تدَعُ عُذرًا للمُكلَّفين حكومةً وشعبًا.
3- وبالجملة إنه أهمُّ مُنجزٍ -تقريبًا- في مجال فقهِ النوازل والاجتهاد الجَماعيّ، في المرحلة الحاضرة للأمة، ومن الواضح أنه لا يُشترط للاعتراف بقيمته ومِيزته: أن يحصُل أَسْلَمَةُ نظام المصرفيّة في التطبيق الميدانيّ.
4- لا بدّ من تنقيح مَناطات الأمور، في الموقف من المصرفيّة الإسلامية، فلا يُحمد ما اعتدناه مِن: إطلاقِ الأحكام العامّة، والحكمِ على الواقع مع البعد الواضح عنه، والإعراضِ عن التفقّه المنشود بحجّة استبعادِ التطبيق الكامل.
ولا بدّ للعالِم الذي هو ابنُ زمانِه: مِن كلمةٍ حول الواقع، إمّا إثباتًا أو نفْيًا أو.. أو..، وكلٌّ من الإثبات والنّفي.. يستلزمُ فقهَ الواقع ومُعايشتَه على حدٍّ سواء.

🌴في المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة:
وبعد الفراغ من أشغال المؤتمر في يومه الأخير، أخذنا جولةً في المنامة، والتقينا أولًا بالعالم المحدّث، المحقّق المعروف الشيخ عامر حسن صبري حفظه الله في مسجد أبي بكر الصدّيق وسطَ المنامة، لأنه مسافرٌ غدًا، وقد رحّب بنا الشيخ، وأهدى إلينا نسخة من كتابه النافع المبارك «المُستخلص» مِن «صفة الصّفوة» لابن الجوزيّ رحمه الله، وهو حقيقٌ بالقراءة الدّوريّة في المساجد والحلقات الدينيّة والمجالس الأسريّة.. كما أهديتُ إليه نسخةً من بعض أبحاثي، وذاكرْنا حول مخطوطات الحنفيّة، وتحدّث الشيخ بما رأى في هذا الصدد في أوزبكستان وفي قازان -من جمهوريّة تتارسْتان-.
والشيخ عامر حفظه الله رئيسُ قسم إحياء التراث الإسلاميّ في المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة بمملكة البحرين، وقد زرنا مقرّ المجلس الأعلى صباحًا، وتلقّينا هدايا كتب الشيخ عامر وتحقيقاته مِن طرف المجلس، ومن أهمّها عدا «المُستخلص» المذكور:
- «كتاب العلم والحلم» لآدم بن إياس العسقلانيّ (220).
- «تمييز الرّجال» للعجليّ (261)، ومعه «تمييز ثقات المحدّثين وضعفائهم وأسمائهم وكناهم» لابن البرقيّ (249).
- عدد من كتب العلامة ابن الجوزي (597)، أجلُّها «الوفا بفضائل المصطفى» في خمس مجلّدات.
- «فهرستُ المرويّات المعيّنة بالسّماع والإجازة»: مَشْيخة الإمام عزّ الدين ابن جماعة (767)، من تخريج: الحافظ زين الدين أبي الفضل العراقي (806).
- و«مشيخة» الإمام العلامة الفقيه بهاء الدين أبي الحسن عليّ بن هبة الله بن سلامة بن المسلم اللّخمي المشهور بابن بنت الجميزي (649)، من تخريج: الحافظ رشيد الدين العطّار (662).
ومعه: «مشيخة» المسند الكبير فخر الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن المسلم بن سلمان الإربلي (633)، من تخريج: الحافظ زكي الدين البرزالي الإشبيلي (636).

🌴العودة والمُصادفات:
صلينا العشاء في جامع أحمد الفاتح بالمنامة، وصادف اللقاء هناك مع جماعةٍ من أحباب كراتشي المُشاركين في المؤتمر، الذين يحيا بهم ذكرى شيخنا العثمانيّ حفظه الله ورعاه، فانتعش القلبُ بهذا اللقاء المتكرّر، ولديهم تقديرٌ لعملنا المتواضع في مجال المخطوطات.
وزرنا أيضا مكتب «أيوفي» السّاذج، ثم رُحنا إلى المطار، والحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات. اهـ


الاجتهاد المعاصر، العمل الفقهيّ، الصيرفة الإسلامية، أيوفي، مخطوطات الحنفية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع